لم يكن غريبا ان تكوم مملكة البحرين هي اول دولة خليجية تعلن الغاء نظام الكفيل وتتيح للعامل الاجنبي حرية وحق التنقل من عمل لآخر دون الحصول علي موافقة الكفيل الاصلي. فالبحرين كانت الدولة الخليجية الوحيدة التي لم يكن مسموحا فيها للكفيل بان يحتجز جوازات سفر العاملين لديه، وكان العامل الاجنبي يستطيع ان يغادر البلاد في اي وقت يشاء دون الحاجة الي الحصول علي موافقة صاحب العمل. وكانت وزارة العمل في البحرين حازمة ايضا في الفصل في المنازعات والخلافات التي تقع بين صاحب العمل والعاملين الاجانب اليه وتلزم صاحب العمل علي الالتزام بالنصوص الموجودة في عقد العمل دون تفرقة ما بين المواطن والاجنبي في شكل حضاري جعل مشاكل العمالة الاجنبية في البحرين امرا نادر الحدوث. والحقيقة ان الفضل في ذلك يعود الي السياسات التي تبناها الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس وزراء البحرين والتي كانت تقوم علي اساس حسن معاملة العمالة الاجنبية باعتبارها شريكا في عملية التنمية والتحديث التي شهدتها البلاد. ولذلك لم يكن هناك ايضا تفرقة في الاجور بين المواطنين والاجانب العاملين في الحكومة وكل من يعمل في الجهاز الحكومي من مواطنين واجانب كان يتم توظيفه علي درجة وظيفية يقرها ديوان الخدمة الوطنية بناء علي شهاداته العلمية وخبراته. ويأتي القرار البحريني الاخير بمثابة خطوة مهمة في مجال مكافحة الاتجار بالبشر حيث كان نظام الكفيل من الموضوعات المهمة علي اجندة المنظمات الدولية لحقوق الانسان والتي كانت تري في هذا النظام نوعا من الاستغلال البشع للبشر. ولكنه في الوقت نفسه قرار ستكون له ابعاد سلبية علي سوق العمل في المجتمعات الخليجية وسيجد الكثير من المعارضة والمقاومة ومحاولة الالتفاف علي القرار. فأصحاب الأعمال لن يقبلوا بهدا القرار بسهولة لان بعضهم سيتضرر من جراء انتقال العاملين لديه الي منافسين لهم بكل ما يعرفونه عن اسرار العمل وبكل ما يحتفظون به من معلومات. كما ان عددا من اصحاب الاعمال يدفع بأنهم قد قاموا بتدريب هذه العمالة وانفقوا عليها الكثير بدورات تدريبية في الداخل والخارج حتي أصبح هناك اعتماد أساسي عليهم. ويقول هؤلاء انهم لا يعارضون إلغاء نظام الكفيل ولكنهم يطالبون بوضع شروط وضوابط علي عملية الانتقال من عمل لآخر. والواقع انها وجهة نظر جديرة بالدراسة ولكن الرد عليها يأتي بتغيير أسلوب التعامل مع العمالة الاجنبية ومراجعة الاجور التي يحصلون عليها. فالعامل الاجنبي الذي يحصل علي معاملة جيدة ومرتب يتناسب مع حجم ما يؤديه من عمل وما يحققه لمؤسسته من ارباح ومكاسب لن يفكر بالطبع في الانتقال الي عمل آخر بسهولة. وأيا ما كانت وجهة نظر المعارضين للقرار فإنها لا تتناسب مع الجوانب السلبية لنظام الكفيل الذي يعرض دول الخليج العربية لضغوط دولية مستمرة ويسيء الي صورة المواطن الخليجي بشكل عام. فالقصص والمآسي التي تروي عن استغلال وسوء معاملة بعض الكفلاء للعاملين لديهم اصبحت قصصا عادية ومتكررة وتحمل بعدا انسانيا لا يمكن السكوت عليه او الموافقة علي استمرار هذا النظام. وصحيح ان نظام الكفيل معمول به في كل الدول الخليجية بدرجات متفاوتة في التطبيق وفي الاحتكام للقانون، الا ان سوء تطبيق هذا النظام لدي البعض جعل منه نوعا من السخرة والاستغلال البشع للانسان. ولذا فإن خطوة البحرين الحضارية التي تستحق عليها هذه المملكة التهنئة والتقدير هي خطوة في سلسلة خطوات اخري يجب ان تتبعها بقية دول مجلس التعاون الخليجي لتكتمل الصورة الحلوة التي تعكس ما في هذه المجتمعات من جوانب حضارية خافية علي بقية اجزاء العالم. فدول الخليج العربي ليست نفطا وثراء فقط وانما هي نماذج جيدة للتنمية والتطور، ونظام مثل نظام الكفيل كفيل وحده ان يدمر كل هذه الصور الجميلة.