حكاية أحمد بهاء الدين مع نظام «الكفيل» فى الكويت ليست مشهورة، ويبدو أنها مجهولة لدى أغلب الناس، وربما يكون قرار البحرين بإلغاء هذا النظام، فرصة مناسبة لإعادة تذكير أنفسنا بها.. ففيها أكثر من درس، وأكثر من عِبْرة! وكان تقديرى أن التسمية الملائمة لنظام من هذا النوع هى «الأسير».. لا «الكفيل».. ولكن الدكتور أحمد عكاشة يرى أنى متفائل للغاية، وأنى أتلطف كثيرًا، إذا كنت سوف أرى أن مسمى «الأسير» أفضل، وأكثر تعبيرًا عن واقع الحال، الذى يعانيه أى عامل مصرى، من جراء تطبيق نظام الكفيل عليه.. فهو عبودية حقيقية، لأن الأسير يخضع لاتفاقية دولية تنظم حصوله على حقوقه.. أما العاملون، فى ظل نظام الكفيل، فى الخليج، فهم «عبيد» حقيقيون لدى الذين يعملون عندهم، ويستطيع أى صاحب عمل هناك أن يبيع ويشترى العاملين فى مؤسسته، وأن يتصرف فيهم، كما كان يفعل كل صاحب عبد، فى أيام الجاهلية! وفى خلال نقاش طويل مع الرجل، حول «الكفيل» وغير الكفيل، انتبهت إلى شىء مهم لابد أن يستوقفنا، هو قدرة أحمد عكاشة على التفاعل مع مشاكل المصريين، والتواصل دون انقطاع مع هموم المواطنين، فهو طبيب، وعنده عيادته، ومستشفاه، ورئاسته للجمعية العالمية للطب النفسى، ثم محاضراته فى الجامعة، مضافًا إليها شأنه الخاص.. ولكنه وسط كل هذا لا يريد أن ينفصل عن المجتمع، وأمراضه، وأوجاعه! ولابد أنه، وهو يتولى علاجها، يومًا بعد يوم، يتساءل بينه وبين نفسه، عما إذا كان من الممكن لأحد، على أى مستوى، أن يجد حلاً لمشاكلنا، إذا مادامت هذه الفجوة العميقة، بين الشعب، وبين كثيرين من المسؤولين! وليس من الممكن لأى طبيب، أن يداوى مريضًا، إلا إذا استطاع تشخيص الوجع فى جسده أولاً، وهذا بالضبط ما يؤمن «عكاشة» به طول الوقت، ويطبقه، وقد كان موقفه على صفحات «المصرى اليوم» إزاء قانون الصحة النفسية، الذى أقره البرلمان مؤخرًا، أصدق دليل على ذلك، ولو اقترب مسؤولونا، من الناس، كما يقترب هو، لكانت أزماتنا، التى فى حجم الجبال، قد تبددت من زمان! أما بهاء الدين، فقد اختلف يومًا مع السادات، فسافر إلى الكويت رئيسًا لتحرير مجلة «العربى».. وكان شرطه الوحيد وقتها، أن يحتفظ بجواز سفره فى جيبه، وكذلك العاملون معه من بلده، وألا يحصل «الكفيل» على الجوازات، تحت أى مسمى، وهو ما كان فعلاً، وكان ذلك استثناءً نادرًا، لم يحدث قبل ذلك، ولا بعده.. وكان بهاء الدين يعرف قطعًا، أن أحدًا لن يقبل منه، أن يتمسك بحريته، وحرية غيره، فى القاهرة، ثم يتخلى عنها فى الكويت.. ولانزال أحوج الناس إلى أن نقتدى بالرجلين، فى ألا يكون الفعل مناقضًا للكلام!