الحمد لله. وألف شكر لمشاعركم الطيبة وتهنئاتكم الرقيقة. أهم وأجمل وأحلى درس تعلمته من جائزة السيناريو، التى تشرفت بالحصول عليها من المهرجان القومى الخامس عشر للسينما المصرية عن فيلم (بلطية العايمة) أن الأفلام وحدها قادرة على الدفاع عن نفسها وأهلها، وهى وحدها أيضاً قادرة على إدانة نفسها وأهلها. أعترف أننى فرحت بالجائزة فرحة طفل يتيم مغمض العينين، طلبوا منه أن يفتح عينيه فجأة، فوجد نفسه فى ديزنى لاند، لعلك سمعتنى قبل ذلك وأنا أردد ذلك الكلام الهجص عن عدم اكتراثى بالجوائز، وأنها لا تعنى شيئاً لى، ثم اتضح أن كل ما كنت أقوله كلام برانى مع أننى كنت أظنه ليس كذلك. ربما مازلت عند رأيى فى أن الجوائز لا قيمة لها عندما تأتى من لجان تحكيم ومهرجانات من تلك التى ترفع شعار «لو جيت هنديلك جايزة» التى تسودها التربيطات والمجاملات والشللية، أما عندما تأتى الجائزة من لجنة تحكيم يرأسها الروائى الكبير جمال الغيطانى ويشترك فى عضويتها بعض عتاولة السينما فى مصر، محمد خان وسيد سعيد وأحمد متولى ومحمود عبدالسميع وصلاح مرعى ومجدى الطيب وخالد عبدالجليل وطارق شرارة، عندها يكون للفرحة طعم حقيقى وخاص ومختلف. سألنى البعض، لماذا حرصت عند صعودى إلى المسرح أن أذهب لتحية الأستاذ جمال الغيطانى أولاً، قبل أن أتلقى الجائزة من وزير الثقافة ورئيس المهرجان، والحقيقة أننى لم أفعل ذلك تفضلاً منى، بل لأننى أتصور أن الجائزة تمنحها لجنة التحكيم، ودور وزير الثقافة ورئيس المهرجان دور شرفى يُشكران عليه، وحتى لو لم أكن صائباً فى رأيى فقد كان لابد أن أحيى الأستاذ جمال الغيطانى أولاً، لأننى أعتبر أن منحى الجائزة يزيده قدراً ورفعة واحتراماً، لأنه لم يدع خلافاً حاداً فى الرأى يمنعه من أن يعطى صاحب الحق حقه، وهو أمر استثنائى فى بلادنا حيث الخلاف فى الرأى يفسد للحق كل قضية، ثمة أناس يصدعونك بالكلام عن الحرية ليل نهار، وعندما تمس ذواتهم بكلمة نقد يتحولون إلى طغاة حقيقيين لا ينقصهم إلا القدرة على البطش. عارف؟ بعد أن نشرت المقال الذى هاجمت فيه المثقفين الكبار الذين ذهبوا إلى حفل العازف الإسرائيلى دانيال بارنبويم الذى دنس مسرح الأوبرا المصرية، طلب منى عدد من أصدقائى مداعبين أن أستعوض ربنا فى أى جائزة يمكن أن ينالها فيلمى، فحسب «سلو» بلدنا لا يوجد أحمق يهاجم موقفا لرئيس لجنة تحكيم سيحكم على فيلمه، وأعترف أن ما قالوه ضايقنى للحظات، لأننى كنت أتمنى الإنصاف لهذا الفيلم الذى ظلمه البعض قبل عرضه وأثناء عرضه وبعد عرضه، لكننى قلت لهم إن ما نشرته اختبار لنفسى أننى سأكتب ما أراه حقاً دون أن أنظر إلى مغنم أو مطمع، وأننى أثق أن لجنة بهذه القيمة لن تظلم الفيلم لو رأت أنه يستحق التقدير، وأحمد الله أننى كنت محقا فى اعتقادى، فقد انحازت اللجنة إلى الفيلم ومنحته أربع جوائز دفعة واحدة، وكان رد فعلها عليه إيجابياً بطريقة مذهلة، بل إننى أعتبر أن الكلمة الساحرة التى ألقاها الأستاذ جمال الغيطانى على خشبة المسرح جاءت تأصيلاً لما حاول الفيلم أن يقدمه من انحياز إلى الأغلبية العظمى فى مصر بأسلوب سينمائى خالص دون الوقوع فى فخ الخطابة المغرية فى مثل هذا النوع من الأفلام. على أى حال دافع فيلمى عن نفسه، وسيظل يدافع عن نفسه على الدوام، لكن يبقى فى النفس غصة تفسد الفرحة، وهى أننى كسبت أرفع جائزة سينمائية تقدمها الدولة المصرية عن فيلم يتعرض لمأساة طرد الفقراء من أرضهم على يد الدولة لكى يتم بيعها لمصلحة الأغنياء، وهى المأساة التى لم تكن قد تحولت وقت كتابة الفيلم قبل ثلاث سنوات إلى الظاهرة الأكثر انتشاراً فى مصر، لست أبله بالطبع لكى أتمنى أن يشاهد الرئيس مبارك فيلمى، فلا يكتفى بنصح رجال الأعمال بالتوقف عن الفشخرة، بل ينصحهم أيضاً بأن يتوقفوا عن محاولة القضاء على المصريين، فأنا للأسف أعرف أن الرئيس مبارك هو الذى يختار رجال الأعمال وزراء، وأجهزة دولته هى التى تساعدهم على طرد الفقراء من أرضهم، بحيث أصبحوا مهددين بألا يجدوا إلا البحر لكى يعيشوا فيه، وعلى رأى بطلتى بلطية العايمة «بس يارب يسيبوا لنا البحر». * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]