احتلت أخبار لبنى حسين الصحفية السودانية مساحة لا بأس بها فى الصحف المحلية والعربية والأجنبية فى الفترة الماضية. اعتقلت لبنى منذ مدة لارتدائها بنطلونا أو ما تعارف على وصفه بالسروال، وهو زى- من وجهة نظر القانون السودانى وبالتحديد المادة 152 لعام 1991- «غير محتشم» أو «غير لائق» مما يخدش الآداب العامة. وكان أن حكم على لبنى حسين بأربعين جلدة! لم تهتز لبنى الصحفية من الحكم ولم تقبل أى مساع لوقفه. والمساعى كانت كثيرة وكان النظام السودانى مستعدا لقبولها كأحد سبل الخروج من المأزق. إلا أن الصحفية لم تقبل وأصرت على أن يتم تنفيذ حكم الجلد. استبدلت المحكمة بالحكم غرامة قدرها 209 دولارات أو السجن لمدة شهر، فاختارت الصحفية السجن ورفضت دفع الغرامة. فى النهاية تولت نقابة الصحفيين دفع الغرامة ولم تقض لبنى حسين فى السجن سوى يوم واحد وخرجت. لم تتوان كافة المواقع الإخبارية والصحف فى متابعة جلسات المحكمة (التى كانت تحضرها لبنى وهى ترتدى نفس السروال الذى اعتقلت بسببه)، ولم تتنازل لبنى عن موقفها وإصرارها على شن حملة على تلك المادة فى القانون السودانى التى تبيح اعتقال النساء طوال الوقت على خلفية تهمة «الآداب العامة»، تلك التهمة المطاطية التى يمكن أن تقوم السلطة بتفسيرها كيفما تشاء وأينما تشاء. لم تكن لبنى هى المرأة الأولى التى تتعرض لمثل هذا الحكم فى السودان، فالكثير من النساء تم جلدهن على خلفية تهمة خدش الآداب العامة، ومن باب المفارقة فقد تم جلد فتاتين بعد خروج لبنى من السجن بتهمة مشاهدة مقاطع من مسلسل نور التركى على أجهزة المحمول الشخصية الخاصة بهما. وشنت الشرطة السودانية حملة لتفتيش أجهزة المحمول فى الخرطوم وجاء فى الخبر أنها قامت بضبط العديد من أجهزة المحمول التى تحوى كليبات وأغانى. ولكن بالرغم من ذلك نجحت لبنى فى لفت الأنظار إلى ما يتم تكراره يوميا فى الشارع السودانى ويقبله الجميع بوصفه أمرا مفروغا منه. يحتاج الأمر دائما إلى من يواجه السلطان بأنه يقف بدون ملابس، حتى لو كانت هذه المواجهة تعنى التضحية بالكثير من المصالح الشخصية، تلك المصالح التى غالبا ما تدفع البشر إلى غض الطرف عن كل القوانين التى تنتهك آدميتهم وخصوصياتهم وإنسانيتهم. فقد قدمت لبنى استقالتها من المنظمة الدولية التى كانت تعمل بها لكى لا تدع للحكومة السودانية حجة فى عدم الحكم عليها، ورفضت الاعتذار، ورفضت دفع الغرامة. كانت تعرف إذن ما تفعله. كانت تريد أن يتم تنفيذ الحكم أمام الجميع ليكون المجتمع طرفا فى الأزمة، وهذا حقها المنطقى، فإذا كانت التهمة تتعلق بالمجتمع «الآداب العامة» فلابد لهذا المجتمع من أن يعبر عن رأيه. وقد كان. فقد جاءت كل التصريحات نارية ورافضة لما يحدث ومعبرة عن الغضب الشديد، لم يقم أى طرف بالدفاع عن حكم المحكمة، وأتحدث هنا عن الرجال فى المقام الأول. بالطبع يتبادر السؤال فورا إلى الذهن: أين كان هؤلاء الرافضون منذ أن صدر القانون عام 1991 ومعظم ضحاياه من النساء؟! إنه القانون الطبيعى المجتمعى الذى يحتاج دائما إلى صوت متمرد خارج عن القطيع يضع المجتمع كله فى مواجهة قاسية، مواجهة تشبه المرآة التى لا تغفل تفصيلة واحدة. على الجانب الآخر، كان رد فعل القراء المصريين على خبر جلد الفتاتين اللتين كانتا تشاهدان مقاطع من مسلسل نور التركى على المحمول غريبا ومرعبا فى آن. فقد هللوا وكبروا وحمدوا الله على كل ما يحدث للنساء من جلد لأنه آن الأوان أن يتم ردعهن، وتمنوا جميعا بصدق أن يتم تطبيق مثل هذا القانون «الإسلامى» فى مصر! كان هذا من أكثر ردود الفعل التى أشعرتنى فعليا بأننا نحتاج إلى مواجهة قاسية مثل تلك المواجهة التى فرضتها لبنى حسين على المجتمع السودانى.