مصر طوال تاريخها الحديث معروفة بأنها بلد آمن يمشى فيه الرجل أو المرأة فى منتصف الليل ولا يمس أياً منهما أحد بأذى ولا حتى بلفظ جارح، وكانت الجريمة فى مصر فى معظمها صغيرة مثل النشل فى الأتوبيس، وكانت الجرائم الكبرى فى مصر معدودة لدرجة أن الكتب والأفلام قد خلدتها، فكلنا نذكر ريا وسكينة، والخُط سفاح الصعيد، ومحمود سليمان الذى أوحى لنجيب محفوظ برواية اللص والكلاب. لن أتحدث عن جرائم الأموال التى شاركت فيها الدولة والتى خلقت مليارديرات مزجوا بين الفساد والسلطة، ولكننى سوف أتحدث فقط عن جرائم السرقة بالإكراه وعن التحرش الجنسى والبلطجة والقتل فى الشارع المصرى. هناك أمور تساعد على انتشار الجريمة، أهمها الزيادة السكانية فى مساحة محدودة لا تسمح للبشر بتعليم جيد، ولا بتربية داخل الأسرة المفككة مع استحالة الزواج عند الكثيرين. ولكن ما هو دور الدولة عموماً وجهاز الشرطة خاصة فى انتشار هذه الجرائم فى مصر؟ أعتقد أنه يلعب دوراً كبيراً ومهماً ويلقى عليه بمسؤولية كبيرة. أولاً: دعنا نر الجهود التى تبذلها الشرطة فى الأمن السياسى مقارنة بالأمن الجنائى، يجمع الخبراء على أن أهمية الأمن الجنائى قد تدهورت إلى درجة رهيبة، وأن كل الخبرات المتقدمة والمنظمة مركزة فى أمن الدولة وهو الأمن السياسى، والكفاءات الأقل مهارة والأكثر تسيباً والأقل تنظيماً يعهد لها بالأمن الجنائى، إذا حدث اعتداء على رجل أو امرأة فى الشارع أو الميكروباص، هل سوف يتصدى أحد فى عصرنا الحالى للمعتدى؟ فى الأغلب لا، وإذا تصدى أحد وذهب إلى الشرطة، هل سوف تهتم الشرطة؟ فى الأغلب لا، وربما يقول له الضابط غمض عينك إذا شاهدت جريمة بعد ذلك، مش عاوزين مشاكل. ما هى النسبة التى ترفض فيها الشرطة تحرير محاضر مع وجود جريمة واضحة المعالم؟ هى الأغلبية الكبرى. ثانياً: ارتفعت أعداد جرائم القتل فى مصر إلى درجة مخيفة وبنظرة بسيطة إلى أحكام الإعدام التى أصدرتها المحاكم المصرية وتم تنفيذها فى الشهور الثلاثة الماضية تجد رقماً مرعباً مخيفاً. لماذا زادت حوادث القتل لهذه الدرجة؟ الحوادث الكبرى فى القتل ممولة فى الأغلب من كبار من يطلق عليهم رجال أعمال، وأهمهم لصوص أراضى الدولة. وحوادث المعارك الكبرى بالأسلحة الآلية بين قتلة مأجورين وممولين من رجال أعمال معروفين للشرطة بالاسم ولا أحد يستطيع أن يمسهم إلا بعد أن تحدث كارثة كبرى ويثور الرأى العام والصحافة. وبالرغم من ذلك هناك متهمون بجرائم كبرى وصدرت عليهم أحكام نهائية وهم طلقاء فى المجتمع بدون أى مشاكل. وقد تم تصاعد الجرائم فى حق المجتمع، والشرطة تغض الطرف حتى أصبح المجرمون يعتدون على الشرطة ويقتلون ضباط الشرطة أثناء تأدية عملهم، كما حدث أخيراً فى السويس. وربما تتحمس الشرطة الآن للدفاع عن رجالها، ولكن ذلك لن ينجح إلا إذا وقفت الشرطة موقفاً جاداً وصارماً ضد المجرمين بجميع صنوفهم، وحتى تنجح فى ذلك مطلوب بالطبع حماس وتخطيط، ولكن مطلوب أكثر ألا يقف بعض رجال الدولة وكبار رجال الحزب الحاكم للدفاع عن المجرمين. ثالثاً: التحرش الجنسى هو تعبير حديث فى المجتمع المصرى، منذ عقدين أو ثلاثة كان بعض الشباب يعاكسون بعض الفتيات بكلمات تعبر عن غزل رقيق ليس به كلمات خارجة ويقال عن بعد، وعندما تنظر الفتاة نظرة حازمة يختفى تماماً من أمامها، اليوم وبعد تدرج الأمر إلى أسوأ تحولت الكلمات البسيطة الرقيقة إلى كلمات سيئة، ثم إلى كلمات جارحة وسوقية ثم تطور الأمر إلى استخدام اليد فى لمس أجزاء من جسد المرأة فى الشارع، ووصل الأمر إلى تقطيع ملابس بعض السيدات فى الشارع، وللأسف الشديد كانت الشرطة سلبية للغاية لعدم تواجد الشرطة العلنية والسرية فى الشارع، ثم فى حالة حدوث تحرش جنسى تستنكر الشرطة حضور السيدة للشكوى، وحتى وصل الأمر للقضاء ونال المعتدى جزاءه. الشرطة غير المتواجدة والسلبية تشارك فى انتشار التحرش الجنسى. رابعاً: البلطجة توحشت فى الشارع المصرى، وخير دليل على ذلك ما حدث فى جريمة قتل كاتب مصرى على يد سائق ليست لديه رخصة ولا للسيارة رخصة، وذلك فى وسط منطقة المهندسين فى عز النهار. وأذكر مرة أن ابنتى كانت بجوارى فى السيارة وفتحت الشباك فى الإشارة وقالت لسائق الميكروباص إن النمرة على وشك أن تسقط فى الشارع، فقال لها: «ما تشغليش بالك، دى مش بتاعتى». وأخيرًا فإن الأمن العام فى أى دولة له أهميته مثل الأمن السياسى، وفى تقديرى يجب أن يفوقها لأن الشرطة يجب أن تكون فى خدمة الشعب والشعب دائمًا فوق الحكام الذين جاؤوا لخدمته.