إذا أنت ذهبت يوماً إلى ألمانيا، فسوف ينصحك بعض الذين زاروها من قبل، بأن تخطف رجلك إلى مدينة «بوتسدام» الواقعة على بُعد 30 كيلو متراً من العاصمة برلين! وسوف تكون النصيحة لها ثلاثة أسباب، الأول أنها مدينة السينما فى ألمانيا، فهى تشبه هوليوود فى الولاياتالمتحدة وبوليوود فى الهند.. والسبب الثانى أنها كانت المدينة التى اجتمع فيها قادة دول الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية، وقرروا وقتها بعد تكسيح ألمانيا، تقسيمها إلى مناطق نفوذ فيما بينهم.. والثالث أنها كانت المدينة الأهم التى شهدت تدفق الألمان الشرقيين إلى ألمانياالغربية، بعد انهيار سور برلين فى 9 أكتوبر 1989، وكان قد ظل يفصل بين الشرقيةوالغربية، على مدى 28 عاماً! وحين ذهبتُ من جانبى إليها، ضمن مجموعة مصرية مدعوة، لم يكن أى سبب من الأسباب الثلاثة، وراء الزيارة، وإنما كان الهدف هو لقاء تم ترتيبه مسبقاً مع رئيس لجنة الانتخابات فى الولاية التى تتبعها المدينة! طبعاً، حين سمع الرجل منا هواجسنا وأسئلتنا، حول الانتخابات هناك، وكيف تجرى وكيف تتم، فإنه كان يتطلع إلينا وكأننا قادمون من عالم لا علاقة له مطلقاً بالعالم الذى يعيش هو فيه، فقد كنا نسأل، وكنا معذورين قطعاً عن أشياء بديهية، المفروض أن الدنيا تجاوزتها من زمان! وعندما كان يقدم نفسه وعمله لنا، كنت من ناحيتى أتطلع إلى ثلاثة أعلام ترفرف من ورائه، ثم إلى صورة صغيرة معلقة على الحائط.. وقد سألت عن الأعلام الثلاثة، وعرفت أن أحدها للاتحاد الأوروبى الذى يضم ألمانيا عضواً فيه، وأن الآخر لألمانيا نفسها، وأن الثالث للولاية بعد أن بلغت اللامركزية عندهم حداً جعل لكل ولاية على حدة علماً يخصها ويرتفع فوق مبانيها الحكومية، وكأنها دولة! وقد كنتُ طوال محاضرته، أقارن من لحظة إلى أخرى، بين ملامح الرجل، وملامح الصورة المعلقة فوق رأسه، ولم تكن له بطبيعة الحال، وحين سألته قال إنها صورة رئيس ألمانيا! وللوهلة الأولى تذكرنا جميعاً، أن البلد هناك له رئيس لا تبدو صورته فى أى مكان، ولم تقع أعيننا على أى صورة له، على كثرة المواقع الرسمية التى زرناها، وكان التفسير أن موقع الرئيس فى نظام حكم برلمانى لدى الألمان، إنما هو موقع رمزى، كما أن منصبه شرفى فى أغلب حالاته، إن لم يكن فيها كلها، لتبقى شؤون الحكم جميعها، بعد ذلك، فى يد رئيس الوزراء، الذى هو المستشار الألمانى، سواء كان «شرودر» السابق أو «أنجيلا ميركل» الحالية! وقد كانت مصر على موعد مع نظام حكم قريب من هذا النوع فى مشروع دستور 1954 الذى كانت نخبة من أهل السياسة والفكر السياسى، قد أعدته، بقصد إلحاقنا بالعالم المتطور، فأخذ ضباط ثورة 1952، مشروع الدستور إياه، وشكروا الذين أعدوه، ثم ألقوه فى أقرب صفيحة زبالة.. وبعدها انتشرت صور الرئيس فى الشوارع والميادين!