«75 سنة» هو عمر الزمن فى كتاب «الشارع الوطنى: المدرسة والقدوة» الصادر حديثاً عن دار نشر ميريت، وفى جزأيه يستعرض الكاتب الدكتور عصام الدين جلال قصة مصر وما مر بها من أحداث سياسية من خلال شخصه، والأحداث التى مر بها طفلاً ثم شاباً ورجلاً، بداية من 1924 حتى عام 2008، تنقل فيها بين القرية المصرية البسيطة «أبوجلال» بالغربية، ومدينة طنطا، ثم إلى القاهرة، حيث اتساع شوارعها وثقافتها الطابعة على جدران مساكنها وحركة قاداتها ورجالها ونسائها، وهمسات الصبيان حول ما يقوم به الكبار من نضال سياسى مع المستعمر والملك ثم الثورة، وعنه يقول المؤلف إنه محاولة لتسجيل رؤى الشارع الوطنى ودوافعه فى زمن تحركاته وتوجهاته، بعيداً عن استقراء المؤرخين، فى محاولة منه لإحياء الثقافة والقناعة والفخر فى أصالة وصلابة تحركات الشارع المصرى بعد أن ترسخت فى قناعات الأجيال الموجودة العديد من التشوهات والأفكار غير الحقيقية عن جدوى هذا الشارع. ويستعرض الكتاب فى جزئه الأول تفاصيل القرية المصرية منذ عام 1927 حيث كان يعيش المؤلف، والعادات والتقاليد الشعبية والمدارس الموجودة بها، وكيفية التعامل فى مدرسة الرهبان الفرنسية بطنطا، والتعامل مع الطلاب من خلال إتقانهم اللغة الفرنسية، واستقبال القرية خبر وفاة الزعيم سعد زغلول، والاتفاقات بين الطلاب الراغبين فى المظاهرات الطلابية من طلاب المدارس والجامعات وكواليس منع الطلاب من المشاركة والضغط عليهم من خلال بلاغ رسمى موجه لأولياء الأمور بفصل كل طالب يشارك فى مظاهرات 9 سبتمبر 1935، ثم انتقل المؤلف إلى شرح تفاعل الشعب مع الملك فاروق عام 1937، بعد رحيل والده وخطبته الملكة فريدة، التى لم تكن واحدة من أميرات الأسرة المالكة. ينتقل الكتاب فى سرده إلى رد فعل الشارع على أى تصرف من تصرفات العائلة المالكة، وانتشار الأفكار الوطنية داخل المجتمع، ونشأة الحركات الوطنية مثل جبهة الأحرار الديمقراطية، ثم اختراق الحركة الوطنية للجيش، وحالة الانكسار التى عاشتها القوات البريطانية وتصاعد ضغوطها لتعبئة الموارد والقدرات المصرية لحساب المجهود الحربى خلال أعوام 1940، 1941، 1942، كما وصف المؤلف ما حدث يوم الحداد 4 مارس 1946 الذى يعد يوم فخر تاريخى للمبادرة الشعبية التلقائية الموحدة، إذ أضربت المواصلات والصحف وأغلقت المصانع والمتاجر، وخرجت المظاهرات رغم الضغط البوليسى احتجاجاً على حكومة صدقى باشا. ووضع المؤلف بابا عن تأملات فى تاريخ اللجنة الوطنية للعمال والطلبة «أكتوبر 1945 و28 ديسمبر 1948»، ثم شرح تجربته فى معتقل الهايكستب من خلال بعض التفاصيل والذكريات الوطنية والسياسية والجماهيرية عقب مقتل سليم زكى حكمدار القاهرة، وفيها مر عليه الكثيرون من المعتقلين المتهمين بمقتل النقراشى وحسن البنا، ثم خروجه مريضاً إلى مستشفى قصر العينى، ومتابعته انتخابات يناير عام 1950. كما يشرح المؤلف فى كتابه تجربته فى الغربة وانقطاع صلته بالحركة الوطنية بسبب سفره لاستكمال دراسته العلمية إلى بريطانيا، وانفعال الطلاب المصريين فى بريطانيا لما يحدث داخل الأراضى المصرية، التى كان منها الأحداث الدامية فى السويس عام 1951، من خلال مناظرة حدثت بينه وبين رئيس اتحاد عمال أسكتلندا حضرها مئات البريطانيين. وفى الجزء الثانى من الكتاب يسترجع المؤلف ذكرياته فى المجتمع المصرى إثر عودته من بريطانيا أوائل 1956، بعد أن رفضت السفارة المصرية تجديد تصريح الإقامة، وإصرار الأوساط النقابية الأسكتلندية على منحه تصريح إقامة كلاجئ خوفاً من رد فعل الحكومة المصرية على كتاب «مصر شعب ينهض» الذى ينتقد توجهات عبدالناصر المعادية للديمقراطية والعازفة عن المشاركة الشعبية، والذى طرد بسببه من الجامعة، ثم العمل بإحدى شركات الأدوية، وتأثره بقرار تأميم صناعة الدواء. وينتقل المؤلف إلى رصد التغير السياسى بعد نكسة 1967، والمكالمة التى دارت بينه وبين وزير الداخلية آنذاك شعراوى جمعة، ثم وفاة عبدالناصر وبداية المرحلة الساداتية، التى هاجمها بشدة ووصفها بأنها السبب فى فقد مصر مكانتها البارزة وانعدام الرؤية وفوضوية القرارات خاصة الاقتصادية، حيث عانى فيها من الحصار والاستبعاد من العمل الوطنى، ثم المرحلة الحالية التى اتسمت - حسب وصفه - بالجمود وتجنب أى تعامل مع سلبيات مرحلة السادات وعبدالناصر، والارتكان إلى ما وفرته المرحلة الساداتية من تسلط مطلق للقيادة على كل الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تشكل الحاضر والمستقبل والمصير.