النجاح الساحق الذى حققه المسلسل الإيرانى «يوسف النبى» المعروض على قناة المنار، والإعجاب والتفاعل الذى حدث معه دون حدوث فتنة أو زلزال أو هزة دينية أو أى شىء من تلك الأوهام التى روجها المحذرون من تلك النوعية من المسلسلات التاريخية، هذا النجاح أثبت وبشكل قاطع خطأ فتوى الأزهر بعدم جواز تمثيل الأنبياء والصحابة على الشاشة، وأن الخوف والرعب المبالغ فيه من الفن على الدين لا مكان له إلا فى عقول البعض ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على عقولنا ووجداننا، وأثبت أيضاً أن قرار مصادرة مسرحية «ثأر الله» لعبدالرحمن الشرقاوى هو قرار ظالم وجائر ولابد أن يتصدى المثقفون لإلغائه، فالحسين ملكنا جميعاً وليس ملك الأزهر، وشخصيته وحياته وصراعاته مع قوى الشر هى من أروع صور الدراما التى تجذب أى كاتب ومبدع حقيقى. حجة الأزهر فى تحريم تمثيل شخصيات الصحابة وآل البيت لا تستند ولا ترجع إلى أى نص قرآنى، ولكنها تستند على مخاوف وهواجس ووساوس فقط، ملخصها هو كيف يجسد ممثل شخصية دينية اليوم ويجسد غداً شخصية تاجر مخدرات؟!، وهذه الحجة واهية وهى نتاج جهل شديد بفن الدراما، فالمشاهد لايعيش بانطباع مزمن عن الممثل طيلة حياته، وتطور الدراما خلق مشاهداً يتعامل مع كل عمل فنى على حدة، ولم يعد يعيش فى سذاجة كراهية الممثل لأنه أدى دوراً شريراً، مثلما لم يعد المتفرج خائفاً من القطار الذى يظهر على شاشة السينما فيهرب من الصالة، كما كان يحدث فى بدايات السينما الصامتة، والدليل هو إعجاب المشاهدين بمحمود المليجى وتفاعلهم معه فى دور أبوسويلم الفلاح الطيب الجدع فى فيلم «الأرض» برغم أنه ملك الشر فى السينما، وكذلك فصل الجمهور بين محمود مرسى الطيب فى «أبوالعلا البشرى»، ومحمود مرسى الشرير فى «شىء من الخوف»، والأمثلة كثيرة للتدليل على ضعف هذه الحجة. الدراما التاريخية لا يمكن أن تكون صادقة وكاتبها مرتعش اليد والقلم، مجبر على حذف شخصية البطل محرك الأحداث وأصدقائه منها وكأنهم أشباح، ومازلت أتذكر المسلسل الدينى القديم الذى يدخل فيه يوسف شعبان الخيمة ثم يخرج قائلاً: يقول موسى كذا وكذا، يرد عليه الكومبارس بسؤال فيدخل الخيمة ليخرج مكرراً نفس الأسطوانة.. يقول موسى!!، ونظل على هذا الدخول والخروج ونحن نسأل سؤالاً طفولياً ساذجاً مشروعاً، هو فين سيدنا موسى ومستخبى ليه؟!، كنت أضحك على هذا المشهد الذى انقلب إلى كوميديا عبثية وفقد جديته ووقاره. لماذا نحرم الجمهور من مسرحية بهذه الروعة والقوة والبلاغة لمجرد وساوس فى أذهان رجال الدين الذين يريدون فرض الكهنوت على الفن وإقامة محاكم تفتيش على النوايا؟، تمنى المبدع الرائع عبدالله غيث أن يجسد دور الحسين فى مسرحية الشرقاوى ثم يعتزل، تحايل كرم مطاوع على قرار المنع بعرض المسرحية على أنها بروفة جنرال للتمويه، حضرها مثقفو مصر الذين أجمعوا على أنها أهم وأروع مسرحية عرضت على خشبة المسرح المصرى، مات الشرقاوى وفى قلبه غصة من مصادرة لؤلؤته المسرحية المتألقة التى حولها الانغلاق والتزمت إلى جثة من ورق. كرموا عبدالرحمن الشرقاوى بعرض مسرحيتى الحسين ثائراً وشهيداً على خشبة المسرح القومى، فسيدنا الحسين ليس ملكية خاصة مثبتة فى الشهر العقارى لصالح الأزهر بل هو بطلنا المظلوم ونحن أحرار فى تخليده درامياً وفنياً.