منذ سنوات طويلة، توقف الكاتب والإعلامى توفيق عبدالرحمن عن قيادة السيارات، لكنه لم يتوقف عن الكتابة، وأصدر روايته الأخيرة منذ شهرين، وحملت عنوان «العاشرة صباح الاثنين».. توفيق عبدالرحمن توجه بسيارة ابنه الأصغر «عبدالرحمن» إلى شارع أحمد عرابى فى المهندسين، وعلى بعد خطوات من منزله، وحدثت مشاجرة بينه وبين سائق سيارة رحلات، وأصر «الرجل» على أن يستدعى رجال الشرطة للقبض على السائق، وأنهى الأخير المشاجرة بكل «قسوة» و«عنف» ولم يرحم «رعشة» رجل عجوز وقف لحظات ليبحث عن حقه.. دون مقدمات كثيرة، ضغط السائق على «البنزين» فى سيارته وانطلقت بقوة لتدهس الإعلامى توفيق عبدالرحمن وتسحله تحت عجلاتها عدة أمتار، تكفلت بأن تنهى حياته على الفور، بعد إصابته بكسور وكدمات فى الجمجمة والرأس والقدمين والذراعين وبنزيف داخلى فى المخ وبهبوط حاد فى الدورة الدموية. الموقف كان «مريباً» وفى شارع حيوى ورئيسى وأمام فيلا المستشار مرتضى منصور.. السائق الشاب وبجواره صاحب السيارة يحرضه: «أنا بأقولك دوسه.. خُش فيه.. دوسه بأقولك».. وتنتهى حياة الضحية ويهرب المتهمان بسيارتهما والدماء تغطى إطاراتها وآثار مقاومة العجوز تظهر على «المرآة».. 3 شبان يهرولون خلف السيارة فى مطاردة مثيرة شهدها شارع أحمد عرابى، وامتدت إلى شارع السودان، وبالتحديد عند مزلقان «ناهيا»، عندما اضطر السائق المتهم إلى التوقف بفعل الزحام، وحضر رجال الشرطة وتسلموه من الشبان الثلاثة واعترف بجريمته، وهرب صاحب السيارة إلى بلدته فى أوسيم. قال المتهم، أحمد ثابت، فى التحقيقات التى جرت بإشراف المستشار هشام الدرندلى، المحامى العام الأول لنيابات شمال الجيزة، إنه كان فى طريقه إلى إمبابة واصطدم بسيارة ملاكى الجيزة وفوجئ بقائدها العجوز يقف أمام السيارة ويتصل بالشرطة من خلال هاتفه المحمول. وأضاف المتهم: حاولت أن أهدد الرجل ليبتعد عن السيارة، وبجوارى كان صاحبها، يطلب منه أن يبتعد لكنه رفض، وأمسك بالمرآة وهو يردد: «لازم الشرطة تيجى لأنه مش معاكم تراخيص ولازم تتحبسوا».. فجأة وجدت مالك السيارة يطلب منى أن أدهسه، وكررها 3 مرات، لم أجد بديلاً عن «التنفيذ».. انطلقت بالسيارة وسقط الرجل تحت العجلات ولم أتوقف رغم صرخات العجوز والناس من حولى.. لم أشاهد أحداً، كنت أنطلق فى الشوارع كالمجنون، حتى وجدتنى أتوقف رغماً عنى بسبب الزحام وأسقط فى قبضة الأهالى والشرطة. تحقيقات النيابة انتهت بحبس المتهمين سائق السيارة وصاحبها، وتلقى محمود الحفناوى، رئيس نيابة العجوزة، تقرير الطب الشرعى، الذى أفاد بأن الوفاة نتجت عن هبوط حاد فى الدورة الدموية، نتيجة كسور فى الجمجمة وبأعضاء الجسم وبنزيف داخلى حاد، واستمعت النيابة لأقوال المتهمين ووجهت لهما تهمتى القتل العمد للمتهم الأول والاشتراك فى الجريمة بالتحريض للمتهم الثانى، واستمعت النيابة لأقوال شهود العيان، حيث أكدوا جميعاً أن الضحية كان يقف أمام السيارة يحاول أن يستدعى الشرطة ويأخذ حقه ب«القانون»، وأن المتهمين لم يتركا له الفرصة لأن يحصل على حقه، وتخلصا من حياته بصورة بشعة. رعب الجريمة وقسوتها، فرضت نفسها على «شقة» فى العقار رقم «2» بشارع الملكة زبيدة فى العجوزة، وبالتحديد على بعد 300 متر من الجريمة.. الحزن والألم يسيطران على زوجة الإعلامى توفيق عبدالرحمن وولديه حسين وعبدالرحمن. انتقلت «المصرى اليوم» إلى منزله، والتقت ولديه، بينما كانت الزوجة تختفى خلف ملابسها السوداء وهى تردد: حسبى الله ونعم الوكيل.. ورفضت أن تتحدث، وكان صوت صراخها يغطى على حديث ولديها الشابين عن والدهما، الذى قضى نصف عمره أمام ميكروفون الإذاعة، قبل أن يتقلد مناصب عليا ووصل قبل وصوله سن المعاش عام «97» إلى وكيل وزارة الإعلام. «والدى كان رجلاً هادئ الطباع -هكذا يتحدث ابناه حسين وعبدالرحمن- كان يعمل فى الإذاعة منذ عام «64» وأسس إذاعة الشباب وكان مذيعاً للبرنامج الثانى ثم رئيساً لإذاعة القناة، ثم رئيساً للإدارة المركزية بالإذاعة، حتى إحالته إلى المعاش منذ 12 عاماً.. والدى اتجه للكتابة منذ إحالته للمعاش، وكتب 3 روايات أولاها «قبل وبعد» ثم «المظاهرة» وأخيراً «العاشرة صباح الاثنين»، وكان صديقاً شخصياً للراحل عبدالوهاب المسيرى، وكان حزيناً للغاية عند رحيله وشارك فى جنازته وغلبته دموعه وقتها، وقال إن مصر فقدت واحداً من أهم مفكريها. يوم الحادث -الكلام على لسان عبدالرحمن- استيقظ والدى، وجدنى بجواره لم أذهب إلى العمل، وعلم أن سيارتى معطلة، أخذ منى المفاتيح فى الثانية ظهراً، وتحرك إلى ميكانيكى قريب فى شارع أحمد عرابى، وحضر «5» من العمال وفشلوا فى «فك» الإطار الأمامى للسيارة، وبعدها حضر ميكانيكى يدعى «إسحق» وأنهى العطل الموجود فى السيارة، وطلب منه والدى أن يقود له السيارة حتى المنزل، وهو ما حدث، وعند «دوران» فى منتصف شارع أحمد عرابى، وأمام فيلا مرتضى منصور، اصطدمت سيارة رحلات بسيارتى، واكتشف والدى أن «السيارة» حطمت الباب الأيمن وأصر على استدعاء الشرطة للسائق، لكنهما تخلصا منه بصورة مأساوية. ما نريده هو معاقبة المتهمين -الابن يتحدث- وإعدامهما فى ميدان عام ليكونا عبرة لغيرهما من السائقين، فليس معقولاً أن ترتكب جريمة بهذه القسوة.