فى أقاصيص الأديب الألمانى «هوفمان» يصور للقارئ أن ساحرًا إيطاليًا كان يضع منظارًا سحريًا على عين شاب.. فلايكاد يلتفت الشاب حوله حتى يجد كل شىء جميلًا رائعًا.. لقد جعله الساحر وهو يراقص دمية من قماش وخشب يتخيل أنها أجمل فتاة فى الدنيا. الصورة السابقة نجدها حاليًا فى الإعلام الذى ينخدع به الجمهور، الذى لا يرى سوى تحت قدميه ولا يكلف نفسه لينظر إلى الأمام حتى لايتعثر، يصنع يوميًا نجومًا تسوسه باللعب على أوتار مشاعره ودغدغتها دونما طائل، ولم يسأل نفسه لوهلة من هؤلاء وما خلفيتهم المعرفية ولماذا أنصت لهم؟ وكيف وصل تأثيرهم إلى لب حياتى؟ ولماذا أربط قراراتى بآرائهم؟ ولماذا أستشهد بما يقولونه فى أحاديثى مع الأصدقاء أو زملاء العمل؟. الأسئلة مشروعة، وعلى الإنسان العاقل أن يتساءل للأبد، وفى هذا الشأن، السؤال فرض عين، فتأثير الإعلام بالفعل خطير لأنه مثل سحر الإيطالى الذى ضلل الشاب، وتأثير الإعلام ينطلق بالطبع من مسألة من يدير دفته سواء كانوا صُناعه أو واجهته- أى مذيعيه- وهنا سأخص بالحديث المذيعين أو مقدمى البرامج الذين أصبحوا حاليًا جزءًا من النخبة التى تحرك الأشياء فى مصر، فالجمهور يتعامل مع هؤلاء كأصنام صنعها فى عقله ليسجد لها يوميا، فما يخرج من أفواههم منزه مقدس لا يقبل النقاش أو الجدل، ومن يسع إليهم ينظر تجاههم بوصفهم الملجأ والملاذ، يفكر فيهم بهذه الطريقة، لا يقبل مذمتهم أو نقدهم. صناعة الوهم أصبحت حرفة فى مصر، وصناعة قادة الرأى من نجوم الإعلام جزء من هذا الوهم، وإذا أردت أن تصدق أنك غارق فيه، أذكر لك بعض التفاصيل عن جهل هؤلاء، فأحدهم ممن يملأون الدنيا ضجيجًا، اقترح عليه أحد معدى برنامجه أن يستضيف أسماء كبيرة مثل «محمود عوض» فبادره المذيع اللامع «مين محمود عوض ده؟»، فرد المعد متأدبًا «إنه الكاتب الصحفى الكبير»، وللأسف شاركته فى نفس الجلسة مذيعة أخرى لامعة، لم ترغب أن ينتزع الجهل بمفرده فشاركته نفس السؤال، فبدا كأنهما من كوكب آخر. وعلى نفس الشاكلة مذيع ثان متعال يتفاخر دائما فى أحاديثه الخاصة بأنه لا يقرأ الصحف، وأنه يلجأ إليها فقط عندما يرغب فى قضاء حاجته، لتسلى وقته فى بيت الراحة، ويخرج علينا هذا الشخص كل ليلة بطلعته البهية، ليغرقنا بنصائحه وأفكاره وعجرفته. وأى شخص من هؤلاء يظن أنه «أبوتريكة» الإعلام، يخرج على الجماهير كل ليلة دون أن يقرأ مضمون ما سيقدمه للناس، فهو يلعب بدون تسخين، عليه فقط أن يرفع من نبرة صوته أو نقده ليخفى جهله، إنها قشرة الحضارة والروح جاهلية كما قال نزار قبانى. صناعة المذيع هى ملامح لتدهور ثقافة المجتمع، فأى نتاج سلبى يعكس خللًا عامًا يضرب فى جميع مجالات الحياة، فاذا أردت أن ترى مجتمعًا فانظر الى إعلامه، وبجولة على الفضائيات ستخرج باستنتاج لطيف قد يخفف من وطأة مشكلاتك وأزماتك الحياتية، لأنه سيكون اعترافًا قد يشعرك بالراحة، ألا وهو «هم جاهلون وأنا جاهل إذن نحن موجودون». لا أكتب كسقراط الذى فقد حياته ليكشف للناس جهلهم، ولكنى أتحسس خطاه لأقضى حياتى مثله، أفضح الادعاء بالحكمة، وهنا أرغب أن أسأل نجوم الإعلام، هل يستطيع أحدكم أن يصف لى ما يصنعه بدقة؟. مسك الختام: رحم الله محمود عوض رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، و أتذكر آلامه فى آخر لقاء معه فى أحد البرامج التليفزيونية حيث كان يرتدى «شبشب حمام» بسبب مرض النقرس. [email protected]