هذه هى الأضلاع الثلاثة لما يعرف بقضية الصراع العربى الإسرائيلى أو ما يطلق عليها أحياناً من أجل تخفيف العبارة مشكلة الشرق الأوسط. ومما يزيد هذه المشكلة تعقيداً أن مكونات هذه الأضلاع الثلاثة مختلفة ومتناقضة تماماً. وإذا أردنا أن نعالج الأمور بصراحة وبمنهج علمى فلابد أن نعترف أن أقوى هذه الأضلاع وأكثرها تأثيراً وإصراراً على عدم حل الصراع هو الضلع الأول: إسرائيل. وإسرائيل تعرف ما تريد تماماً. تعرف ما تريد الآن وتعرف ما تريد فى المستقبل. وإلى جوار كونها تعرف ما تريد فإنها تخطط تخطيطاً دقيقاً لما تريد وتتقدم كل يوم ولو خطوة صغيرة نحو أهدافها: والهدف الأساسى لإسرائيل هو الوصول إلى السيطرة على المنطقة المحيطة بها سيطرة اقتصادية وعسكرية ومن ثم سياسية، كذلك فإنه يدخل فى قلب الهدف الإسرائيلى إلغاء ما يسمى الشعب الفلسطينى وذلك بتشريده أو قتله أو إدخال اليأس والإحباط على مكوناته بحيث يهاجر إلى أراض مجاورة أو بعيدة وأكثر المناطق القريبة المرشحة فى المنطق الإسرائيلى الضفة الشرقية لنهر الأردن وشبه جزيرة سيناء، وقد لا يتكلمون عن ذلك صراحة لاعتبارات كثيرة ولكن المخطط يقوم على تحقيق هذا الهدف وقد قال ذلك كثير من عتاة الصهاينة صراحة فى وقت من الأوقات: على الفلسطينيين أن يرحلوا عن هذه الأرض التى وعدنا بها الله، وليذهب المسيحيون منهم إلى لبنان وليذهب المسلمون منهم إلى شرق الأردن أو إلى سيناء. أو إلى حيث شاءوا من الأرض غير أرض إسرائيل. وتقوم العقيدة الإسرائيلية على مكونين يبدوان متناقضين ولكن الكيان الإسرائيلى استطاع أن يجمع بينهما بل أن يمزج بينهما. أما المكون الأول فهو المكون العقائدى الدينى الذى يقوم على مجموعة من الأساطير التوراتية التى تتمحور حول فكرة أرض الميعاد التى وعد الله بها الشعب الإسرائيلى والتى يتعين على يهود الأرض قاطبة أن يحولوا هذا الوعد إلى حقيقة واقعة.. وهاهم يفعلون بغير تقصير. هذا هو المكون الأول. وقولنا إنه مكون يقوم على مجموعة من الأساطير لا ينال من قوته ولكن العكس صحيح. فكم لعبت الأساطير الدينية فى حياة الشعوب أدواراً شديدة التأثير، والحركة الصهيونية خير دليل على ذلك. أما المكون الثانى لهذا الكيان العنصرى إسرائيل فهو المكون المدنى الذى يقوم على أن هذه المجموعة من البشر تعيش فى ظل آليات ديمقراطية وإن كان النظام فى جملته غير ديمقراطى فى نظرى كذلك فإن هذه المجموعة من البشر تدرك أهمية العلم وتحاول إعماله فى تحقيق أهدافها، وقد أدى هذان المكونان اللذان يبدوان متناقضين فى الظاهر واللذان وحد بينهما ذلك الكيان الصهيونى إلى أن تصبح إسرائيل قوة نووية رهيبة. هذا هو الضلع الأول من أضلاع الصراع. والضلع الثانى هو «الفلسطينيون» ولابد أن نعترف بداءة بأن الذى لاقاه هذا الشعب وحل به سواء من العدو الصهيونى أو من أهل البيت أنفسهم لم يقابل مثله شعب من شعوب الأرض منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى الآن، مروراً بحركات الهجرة اليهودية والتهجير الفلسطينى وتقسيم فلسطين والحروب العربية الخائبة وما تلا ذلك من أطوار وحتى الآن. العنت والتشريد والمعاملات غير الإنسانية وغير القانونية ومحاولات الإبادة الجزئية بل الجماعية التى شنتها إسرائيل على الفلسطينيين تبدو إلى جانبها ممارسات النازى مع اليهود شيئاً أقل فظاعة وقسوة مع التأكيد على أنها كانت ممارسات وحشية وغير إنسانية وغير قانونية. وكأن اليهود أرادوا أن ينتقموا مما لحق بهم ولكنهم توجهوا بالانتقام إلى من لم يكن له دخل فيما جرى لهم. وقد كان رد الفعل الفلسطينى مختلفاً فى الزمان وفى المكان، ووفقاً للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية استمر الرفض الفلسطينى لما يحل به ويلاقيه قوياً متماسكاً حتى نهاية السبعينيات من القرن الماضى. واستمر ذلك الرفض بل أخذ صورة المقاومة على صور ودرجات من المقاومة لدى قطاعات واسعة من الفلسطينيين الذين تشبثوا بالإقامة على الأرض ورفضوا محاولات الترانسفير «التهجير» ولكن تلك الفترة شاهدت نزوح كثير من الفلسطينيين سواء إلى أقطار عربية أو إلى أقطار أوروبية أو إلى كنداوالولاياتالمتحدة وغير ذلك من بقاع الأرض. وبعض هؤلاء كونوا ثروات طائلة. وخفتت روح المقاومة عند هؤلاء واستبدل بعضهم المساعدات المالية للداخل بفكرة المقاومة. ولكن القطاع الأغلب من الفلسطينيين ظل حتى نهاية القرن الماضى وبداية هذا القرن الذى نعيشه متمسكاً بأرضه يحلم بوطن ودولة. والقارعة الكبرى والكارثة التى حلت بالفلسطينيين هى ما وقع فيه الفلسطينيون من خداع ووهم أن لديهم سلطة وأن منهم أمراء ووزراء ونواباً، على حين أنهم يعلمون جميعاً أنهم لا يملكون لأنفسهم حق التنقل من مكان إلى مكان وأن العدو المتربص بهم والمسيطر على أرضهم يملك أن يضع أكبر رأس فيهم فى سجونه إذا أراد. وأعقب ذلك الوهم/الكارثة ذلك الانقسام المقيت المهين بين فتحاوى وحماسى، وهذا الانقسام البشع الرخيص هو الذى أوصل القضية إلى الحضيض الذى تعيش فيه الآن وجعل كل أمل فى حل حقيقى للصراع يبدو وهماً. ولكن هل معنى هذا أن الغالبية من الفلسطينيين قد فقدت الرغبة والأمل فى وطن فلسطينى تعيش على أرضه؟ أظن أن ذلك غير صحيح وأتصور أن ثمة تياراً يتصاعد بين الفلسطينيين الكادحين يصمم على الارتباط بأرضه ويصمم على حمايتها ولديه أمل فى أن تكون له دولة فى يوم من الأيام. هذا عن الضلعين الأولين من هذه المعادلة القاسية البائسة فماذا عن الضلع الثالث. ماذا عن العرب؟ وهنا لابد أن نفرق بين الشعب العربى والأنظمة العربية. وإذا كان الشعب العربى فى جملته لا يملك تقرير مصيره وإنما مصائره بيد حكامه فما هو موقف هؤلاء الحكام من هذا الصراع؟ هناك فارق بين المعلن والحقيقى. وهناك فارق بين من يقال لهم المعتدلون وغيرهم. وإذا كانت مصر والسعودية هما الدولتين الأساسيتين فى محور الاعتدال فقد «أعلن» رئيس جمهورية مصر العربية الرئيس محمد حسنى مبارك رفض الحلول المؤقتة وطالب بضرورة اقتحام جذور المشكلة ومواجهة قضايا الحل النهائى منذ الآن. كذلك فإن وزير خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل أعلن فى الولاياتالمتحدة أخيراً أن المساومات التى تديرها إسرائيل وتدعمها الولاياتالمتحدةالأمريكية على استحياء أحياناً، من اعتبار الموقف المؤقت للاستيطان، فى حد ذاته، مكسبا كبيرا يدعو العرب إلى اتخاذ خطوات نحو السلام والتطبيع مع إسرائيل - أعلن وزير الخارجية السعودى أن ذلك أمر مرفوض. هذا هو الموقف المعلن من أكبر دولتين من دول الاعتدال. وتبقى المبادرة العربية التى أعلنت منذ عام 2002 هى الموقف العربى الرسمى حتى الآن. وعلى ضوء هذا كله كيف ستسير الأمور وما صورة الحل أو الحلول المتوقعة؟ أظن أن ذلك يستأهل مقالاً آخر. والله المستعان.