المشهد الراهن في واشنطن يحمل مؤشرات تدعو للتفاؤل, لكن التفاؤل تظلله غمامة تشاؤم, لأن صورة المشهد لم تكتمل. التفاؤل مبعثه بادرة من أوباما تضيف بعدا ثالثا للحل الفلسطيني, يصورها كمشكلة أمريكية, إضافة الي كونها مشكلة بين اسرائيل والفلسطينيين. والتشاؤم أساسه سلوكيات حكومة اسرائيل الآن, علي امتداد السنين الطويلة السابقة, والمتربصة بالسلام, وهو وضع يفرض الحذر, فليس مستبعدا ان تستبق اسرائيل الي خطوات عملية نحو الحل, بعمل طائش لكنه محسوب, لصرف الأنظار عن القضية الفلسطينية, وجذبها ناحية مشكلة أخري تشغل الجميع, إما بعمل عسكري متهور تجاه ايران, أو في لبنان, أو اي جهة أخري في المنطقة. البادرة الجديدة في الموقف الأمريكي ظهرت مع ما يعرف الآن في واشنطن من أن الر ئيس أوباما يجهز خطابات تحمل توقيعه, سيرسلها الي الاسرائيليين والفلسطينين, يعلن فيها موقفه بشكل محدد من الشروط التي يهتدون بها في المفاوضات, ويحدد أيضا مشاكل الوضع النهائي التي يجب ان تحل بالتفاوض. ويأتي ذلك في اطار وصف مسئوليين أمريكيين حل المشكلة بأنها مصلحة استراتيجية للولايات المتحدة, وان عدم حلها يقوض المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة, ارتباطا بما أوضحه أوباما من أن الحل يحقق مصلحة أمن قومي أمريكي. ولذلك فإن الخطاب الي جانب ادخال امريكا طرفا في المفاوضات والحل, فإنه أعاد احياء تعبير مشاكل الوضع النهائي وهي المشاكل التي كانت حكومة اسرائيل قد حاولت طمس وجودها في أي ترتيبات للسلام, بينما هي أصلا مبادئ أساسية في صلب عملية السلام من البداية, والتي نصت علي ان هذه المشاكل: وهي القدس, واللاجئون والحدود, تحل بالتفاوض بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني. والعودة الي استخدامها جاءت كذلك علي لسان المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل في حوار مع المذيع التليفزيوني الشهير شارلي روز, وقال فيه: ان إدارة أوباما, تري ان مفاوضات الوضع النهائي يجب ألا تستغرق اكثر من سنتين. أيضا الجنرال جيمس جونز مستشار الأمن القومي لأوباما, قال أمام جمع من اليهود الأمريكيين: ان المشكلة بين اسرائيل والفلسطينيين, هي قضية مركزية بالنسبة للتحديات التي تواجه الولاياتالمتحدة, وان حلها مهم لتخفيف توترات دولية أخري. ولا يبتعد هذا الوصف عما نطق به الجنرال بترويس قائد القيادة المركزية في الشرق الأوسط أمام الكونجرس مؤخرا من أن عدم حل المشكلة بين اسرائيل والفلسطينيين, يمثل خطورة علي سلامة الجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط[200 ألف جندي].وبعدها ذكرت مصادر أمريكية ان اللوبي اليهودي لم يجرؤ علي انتقاد بتريوس, بسبب شعبيته بين الأمريكيين, وخشية إثارة غضب المؤسسة العسكرية في وزارة الدفاع. ان ما يلوح في الأفق الأمريكي من بوادر مشجعه, يظل حتي هذه اللحظة, مجرد خطوة في شوط طويل, حسب طبيعة كل النظام السياسي الأمريكي, الذي يطلق حركة كافة القوي صاحبة المصالح المتضاربة في أي قرار سياسي, بأن تستخدم كل مالديها من قدرات لدفع القرار في الاتجاه الذي ترضاه, وهو ما يصفونه هناك بالتوازن في صناعة القرار. وان الاتجاه النهائي لهذه الخطوة سوف يتقرر, بناء علي ما يملكه كل طرف من وسائل الضغط والتأثير, عبر مشوار طويل تجري فيه المفاوضات, بل وحتي من قبل عملية التفاوض, وحيث سيدور الصراع لامتصاص طاقة هذه الخطوة كاملة, أو للانتقاص من قوة دفعها. ويجري ذلك بالطريقة التي وصف بها كسينجر ادارة السياسة الخارجية في واشنطن, بأنها عملية تشبه طريقة المصارعين الرومان. وهي عملية تمس العرب أولا وأخيرا فهم طرف رئيسي في مشكلة لها ثلاثة أضلاع والاثنان الآخران هما أمريكا واسرائيل. وكل منهما يدير دوره في المشكلة وفق حسابات ظروفه ومصالحه, فأين دور الطرف الأصلي؟.. وماهي خريطة أهدافه, وحساباته لمصالحه, ووسائل إدارته لدوره في المشكلة؟. ان الدول العربية اختارت منذ مدريد91, المضي في عملية السلام, بنفس القواعد التي التزمت بها كافة اطرافها, بافتراض أنها دخلت في تعاقد مع حكومة مسئولة, في حين برهن من يحكمون إسرائيل اليوم صراحة انهم لا يلتزمون بأي معايير مستقرة ومتفق عليها في سلوك وسياسات الدول. فالعالم الآن يتعامل مع تنظيم ايديولوجي متطرف اكثر من كونه ممثلا لحكومة دولة.. فهل يصلح التعامل معه بنفس مواصفات السياسات التي تتبعها الدول مع بعضها؟!. ألا يفرض ذلك كله علي العرب مراجعة مواقفهم, ليس رفضا للسلام أو تحللا منه, وإنما بأن تكون لهم إدارة مختلفة لعملية السلام, تضع في اعتبارها حقيقة الوضع, واحتمالاته, والفرص وكذلك المخاطر المتوقعة؟!.