ما أصعب هذه الكلمات وأمرّها فى حلقى، مات الرجل قبل أن أودعه، وبعد أن ظننت رحيله قبل ذلك بسنوات ففجعت فيه مرتين.. مات شيخ الصحفيين الأستاذ الكبير عبدالوارث الدسوقى، الذى عمل فى الخفاء بصدق وشرف فلم يخش فى الحق لومة لائم، ولم تمنعه حداثة سنى آنذاك من أن ينشر لى- وأنا الطالب فى السنة الأولى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- أولى قصائدى المنشورة.. رحل الشيخ الجليل الذى التقيته بضع مرات محنياً على مكتبه بالمبنى القديم لجريدة الأخبار يدقق الكلمات، ويصحح أوزان الشعر للشعراء، وينتصر بقلمه الرصين لقواعد النحو والصرف.. منذ آخر لقاء انشغلت بالرزق عن القلم، ولم أعد أراسل الشيخ الجليل لبضع سنوات، حتى استقر بى الحال، وجمعت من القصائد عشرات مما نشرها لى الحاج عبدالوارث- كما أحب أن يُكنى- وضمّنتها ديوانى «قبلة الرحّال فى الشعر والأغانى والأزجال» وقررت أن أهديه أول نسخة من الكتاب، فداهمنى صديقى بنبأ رحيله منذ سنوات!. فخجلت من نفسى إذ لم أودعه، وخجلت أن أذرف الدموع مداداً فى وداعه بعد وفاته بسنوات كما أخبرنى الصديق، فآثرت أن أجعل قلبى سرادق عزاء، وأن أكون المعزّى ومتلقى العزاء فى آن. ثم مضت الأيام وها أنا ذا أقرأ مقالاً فى وداعه للأستاذة «نعم الباز» فى جريدة «المصرى اليوم»، فقفزت كالمجنون أستيقن من الخبر من مختلف المصادر هذه المرة، وأبحث عن تاريخ الوفاة فوجدته رحل منذ أيام فقط!! ما أقسى هذا البلد على أبنائه الشرفاء.. عزائى الوحيد أن أحداً قد ودّعه هذه المرة.. رحم الله الأستاذ الحاج عبدالوارث الدسوقى وأسكنه فسيح جناته. مدحت أنور نافع خبير بالمحاكم الاقتصادية [email protected] المحرر: عرفت أستاذنا عبدالوارث الدسوقى منذ تسع سنوات.. ونشر لى عدة مقالات فى جريدة الأخبار.. ومنذ اللقاء الأول شعرت بمدى عظمته وتواضعه، رحمه الله.. وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.