إيمان الناس بالله تعالى، ليس على درجة واحدة، وإذا كان المؤمنون بالأديان السماوية الثلاثة 48٪ من أهل الأرض البالغ عددهم 6.7 مليار بنى آدم، فهؤلاء ال48٪ ليسوا على صلات متساوية بالخالق، وبعضهم قد يكون مشركاً بالله دون أن ينتبه! ولابد أن الشرك به سبحانه، يختلف الآن، عما كان عليه أيام زمان، ففى وقت من الأوقات كان الشرك يعنى عبادة صنم مثلاً وكان أبناء الجاهلية يعبدون «اللات والعزى» قبل مجىء الإسلام، وبعده أيضاً، وكان من الممكن أن يعكف إنسان على عبادة تمثال من عجوة فإذا جاع أكل بعضه، كما فعل عمر بن الخطاب، وروى الحكاية بنفسه حين أسلم، وكان من الممكن أن يشرك المخلوق بخالقه فيعبد بقرة، أو يعبد النار، أو حتى يعبد فأراً.. كلها كانت ألواناً من الشرك، وكانت ولاتزال معروفة، ولم تعد قائمة الآن قطعاً، لأن أشكالاً أخرى قد حلت فى مكانها! وكما أن هناك رقصاً حديثاً، فى مواجهة رقص قديم، وكما أن هناك فناً حديثاً، فى مقابل فن قديم كان له وجود ذات يوم، فهناك بالقياس شرك حديث مقارنة بذلك الشرك القديم المشهور، ولابد أنك لا تتخيل أن يكون هناك إنسان يعبد تمثالاً فى القرن ال 21، ولكنك يمكن أن تتصور أن يكون هناك إنسان يشرك بالله دون أن يتورط فى عبادة تمثال، ولا بقرة، ولا قط، ولا حاجة من هذا النوع أبداً! الشرك الحديث بالله سبحانه وتعالى، إنما يظل يتمثل فى عدم اكتمال يقين الإنسان فى خالق الأرض والسماوات وبقدر نسبة عدم اليقين، يكون الشرك، وعلى قدر مساحة اليقين، يأتى الإيمان! ولا تستطيع بالطبع أن تصف المحب للمال، بأنه مشرك بهذا المنطق، فهو يمكن أن يوصف بالطمع، ولكنه ليس مشركاً، لأنك يمكن أن تقع فى غرام الفلوس ثم يكون يقينك فى الله مكتملاً دون نقصان، ولا أحد يعرف ما إذا كان الدكتور مصطفى محمود شفاه الله وأعطاه الصحة وطول العمر فى حاجة لأن يقطع رحلته الشهيرة مع الشك، وصولاً إلى الإيمان الكامل، أم لا.. فإيمان صاحب «العلم والإيمان» فى هذه اللحظة بخالقه لا يكاد يختلف عن إيمان الرجل الجالس على باب مكتبه، وهو رجل شأن كل البسطاء لم يشك ولم تخالط إيمانه شائبة، ولم يقترن يقينه بأى ريبة، من أى نوع، وإنما جاء إلى الدنيا، ثم عاش وسوف يموت على الفطرة التى تجعل إيمانه بالله مستقراً كالجبال الرواسى! وربما لهذا السبب، كان الإمام أبوحامد الغزالى يدعو الله بعد إبحاره الطويل مع العلم، أن يرزقه إيماناً، كإيمان العامة، وكان الإمام على بن أبى طالب يقول ما معناه إن الغيب لو انكشف أمامه فلن يزداد يقيناً.. فإيمانك على علاقة طردية مع يقينك. يكتمل اليقين، فيصبح الإيمان صافياً، وينقص اليقين فيقع الشرك بنسب متفاوتة، وأنت لا تدرى!