الحوار مع الدكتور على جمعة، مفتى مصر، يبدو كما لو أنه يعرف طريقه سلفًا، فهو يشبه الثوابت التى توقفت عندها اجتهادات الإفتاء منذ الأئمة الأربعة، محفوظة ومألوفة ومكررة حتى لدى العامة، وأى محاولة للخروج عنها تؤدى إلى ضجة، وأزمة، وصخب، أو مفاجأة خارجة عن السياق، لذلك عندما سأله الزميل أحمد البحيرى محاولا دخول المساحة الإنسانية فى شخصية الدكتور الصوفى وأستاذ أصول الفقه: ما أسعد لحظة فى حياة فضيلتك؟، أجاب بأدب يغلق الباب: يوم ما قابلتك، لكن البحيرى حصل فى هذا الحوار الطويل على اعتراف مهم من الدكتور على جمعة نبدأ به هذا الحوار الذى انتقل بعد ذلك إلى الأجواء الفقهية ومشاكل الفتوى التى تلائم مناسبة الشهر الكريم. ■ لاحظنا فى الفترة الأخيرة الكم الكبير من قضايا الإعدام التى عرضت على فضيلتك.. فهل قضايا المحاكم العسكرية تُعرض عليك أيضًا؟ - ما يعرض علىّ هو ما يُعرض على القضاء التابع لوزارة العدل، أما القضاء العسكرى فليس تابعًا لوزارة العدل بل لوزارة الدفاع، ومن هنا فأنا أختص بما يعرض علىّ من القضاء التابع لوزارة العدل فقط. ■ ما هو شعورك عندما تؤيد أحكام الإعدام؟ - قضية الإعدام، أصلاً، تثير المشاعر الإنسانية، وأكون فى غاية الألم، حينما يعدم أحد من الناس، لكن هذا أمر الله فيهم «والله غالب على أمره»، لكننى من الناحية الإنسانية أتألم من وقوع أى شخص فى هذا الظرف شديد العقوبة، لذلك يُتخذ حيال هذه العقوبة الكثير من الضمانات، فتعرض على المفتى لدراستها، ويصدق عليها رئيس الجمهورية، ولا يحدث هذا فى الأحكام أو العقوبات العادية، وهذه الضمانات تراعى لمواءمتها مع شدة هذه العقوبة. ■ هل تطبيق عقوبة الإعدام يعنى سقوط الذنب عن الشخص فى الآخرة؟ - طبعًا نسأل الله تعالى لهم التوبة، وأغلب الناس يتوبون فى هذه الفترة، وينصلح حالهم ويصلون ويصومون إلى آخره، إيقاع العقوبة من أجل الردع، حتى لا تصبح المسائل عادية فى القتل والاعتداء على حياة الناس، وقليل من الناس نجد أنه، مثلاً، ينتحر فهذا يأس من الحياة، لذلك فالانتحار حرام. ■ هل ترى أن هناك فرصة حقيقية لتفعيل خطاب أوباما للعالم الإسلامى الذى ألقاه فى القاهرة يونيو الماضى؟ - ممكن، من خلال عمل برامج تحويل كل نقطة وقضية تحدث عنها الرئيس الأمريكى إلى برنامج عمل، مثل القضية الفلسطينية، فقال إنه لابد أن يكون السلام عادلاً، فهذا جيد، ولكن يجب عمل برنامج للوصول إلى هذا، ومن غير عمل هذه البرامج سوف يصعب علينا تنفيذ هذا البرنامج. ■ ما هو برنامج زيارة فضيلتك للولايات المتحدةالأمريكية فى شهر أكتوبر المقبل؟ - هذا البرنامج مع جامعة جورج تاون حول «كلمة سواء» لنشر السلام والحوار بين الأديان، ثم سيكون معه برنامج آخر لمحاولة تفعيل الاتصال من أجل خطاب الرئيس الأمريكى. ■ ماذا عن مساهمة مؤسسة «مصر الخير» فى دعم مشروع علاج السرطان باستخدام الذهب؟ - نحن فى مؤسسة «مصر الخير» نركز على عدة مجالات هى: الصحة والتعليم والبحث العلمى والتكافل الاجتماعى والحياة (الفنون العمارة التنمية.. وغيرها) فحينما يعرض علينا مشروع، فأول شىء ننظر إليه هل هو من المجالات الخمسة التى نهتم بها أم لا؟ ونرى مدى جدواه ومساهمته فى تخفيف المعاناة عن الناس والعمل المستقبلى وتحقيق التنمية الشاملة التى تعد الواجب الأساسى فى العمل المدنى. ما تتميز به «مصر الخير» أنها تسير فى هذا الاتجاه بالطرق العلمية كما فى الكتاب مثل كتب الإدارة والعمل الخيرى فنستفيد من تجربة المؤسسات الأخرى فى هذا المجال من أجل الوصول إلى التنمية الشاملة فى هذا المجال. ■ هل هذا من أجل توفير العلاج لغير القادرين؟ - طبعًا فى بعض الأحيان تنشأ المؤسسة لعلاج غير القادرين وأن يدفع القادرون أيضا من أجل أن يرد إلى غير القادرين، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: «يؤخذ من أغنيائهم ويرد إلى فقرائهم» فليس بالضرورة ألا يأخذ المستشفى، وإنما المهم أن تقوم بالخدمة. ■ تفسير فضيلتك لكثرة الأوبئة والأمراض التى لم نكن نسمع عنها من قبل؟ - أمر الله سبحانه وتعالى، فهذه الأوبئة من سنن الله فى خلقه فنجد الزلازل والفيضانات والكوارث والأمراض، ولكن المهم كيف نتعامل معها من خلال العقلية العلمية والحجر الصحى. ■ ماهى الشروط التى يجب توافرها فيمن يتصدى للفتوى؟ - هناك شروط سلبية كثيرة لا يجب توافرها، وهى لا ينص عليها عادة، والحقيقة أننا فى عصر اشتبه على الناس فيه كثير من الأمور. ■ هل هذا سبب انتشار فوضى الفتاوى الفضائية؟ - الفوضى سببها تصدى غير المتخصصين للفتوى. ■هل هناك ضغوط سياسية فى إصدار بعض الفتاوى؟ - لا إطلاقاً وكل المفتيين يشهدون بذلك، نحن عندنا فى دار الإفتاء المصرية 120 ألف فتوى منذ عام 1895 إلى يومنا هذا ولا توجد فتوى فيها أيدت ورسخت شيئاً يتعلق بالحاكم أو بالحكومة، ولما تتكلم مع من يعتقدون غير ذلك، يضربون لنا مواقف بأن واحداً خطب خطبة فهل هى فتوى؟ أو كتب مقالاً فهذه كلها ليست فتاوى.. الحقيقة أننى لم أجد مطلقاً أى لون من الخلط بين الفتوى والسياسة وعلى مدى 112 سنة لم يحدث أى تأثير أو ضغوط سياسية، وإن كانت الشائعة غير هذا، والذى ندعو إليه هو التثبت والحقيقة. ■ هل منصب المفتى صعب؟ - الإفتاء يمكن أن يكون نوعًا من العبادة حينما يكون لوجه الله تعالى، وعندما يكون على خطوات صناعته لأن الإفتاء صناعة تتكون من أربعة أشياء: تصوير المسألة ثم تكييفها ثم الحكم فيها ثم إيقاعها على الواقع، وكل مرحلة من هذه المراحل تحتاج إلى علم وقيم وتدريب. ■ لماذا فشل العالم الإسلامى فى توحيد رؤية الأهلة؟ - أولاً، المشروع لم يفشل بعد ولكن فشلنا فقط فى الإسراع به، لكن المشروع لا يزال قائما وكذلك الاتصالات فهى تجرى لاتمامه، وهذه الاتصالات تهدف إلى توحيد المفاهيم، لكن هذا التوحيد لم يتم بعد، وانتهينا من عمل نموذج القمر الصناعى الإسلامى وهناك خطوات لكننا غير راضين عنها لأنها أبطأ مما نتصور. ■ ما سبب هذا البطء؟ - اختلاف الثقافات والرؤى فى تحديد بدايات الشهور الهجرية كل واحد له مدرسة معينة ومدخل محدد يدخل به للموضوع، لكن عندى أمل كبير جدًا أن يتم التوحيد فى رؤية أهلة الشهور الهجرية على مستوى العالم الاسلامى حتى من غير القمر الصناعى الإسلامى، وذلك لو بدأنا نتفق على قدر المشترك ونفعل أيضا القرارات المتتالية التى صدرت فى هذا المجال مثل مؤتمرات جدة والكويت وماليزيا ومنظمة المؤتمر الإسلامى بشأن توحيد رؤية أهلة الشهور الهجرية على مستوى العالم الإسلامى، وأملنا أن يتم هذا التوحيد ليس فى رؤية شهر رمضان فى كل عام فقط وإنما فى كل الشهور الهجرية. ■ لكن ليبيا دائمًا تخالف الرؤية مع الغالبية العظمى من العالم الإسلامى؟ - لأن ليبيا تستطلع الهلال بطريقة غير المتبعة على مستوى العالم الاسلامى حيث تعتمد على حدوث الاقتران وقت الفجر وتخالف بذلك القرارات التى خرجت بها كل هذه المؤتمرات لتوحيد رؤية مطالع الشهور العربية على مستوى العالم الإسلامى. ■ ما ذكريات فضيلتك فى شهر رمضان ؟ - ارتبط شهر رمضان عندى بانتصار أكتوبر 1973 وكنت واعيا وتخرجت وقتها فى الكلية، ولا يستطيع جيل أولادنا وأحفادنا ادراك مدى الأسى والحزن بعد هزيمة 1967 أمة مجروحة لا تجد طريقها، وأقول هذا لنعرف قيمة هذه الحرب، فالكثير يرى أنها مجرد حرب انتصرنا فيها لكننى أرى أنها شىء لولاه لتعبت مصر جدا، ومصر هنا بمعنى الشعب المصرى. ■ لكن البعض يهاجم هذه الحرب؟ - أنا مش مبسوط من أى شخص يتحدث عن هذا الانتصار العظيم باستخفاف ويهمشه، وأنا متذكر كيف أن الخطباء نبهوا إلى أن رمضان شهر الانتصارات غزوة بدر وفتح مكة وموقعة حطين كلها حدثت فى رمضان. ■ لكن ماذا عن ذكريات الطفولة؟ - لا أتذكر أننى لعبت يوما فى الشارع مع الأطفال بالفانوس «حلو ياحلو» وإنما كان يتم ذلك فى البيت فقط ، وذكريات شهر رمضان فى مسجد وميدان سيدنا الحسين لا توصف خاصة فى معرض الكتاب الذى كان يتم تنظيمه سنويا فى رمضان بالأزهر فى مكان السيارات حاليا. ■ أسعد لحظة فى حياة فضيلتك؟ - يوم ما قابلتك.