يبدو أن الحكومة المصرية اعتادت رفع شعار «الشكوى لغير الله مذلة» فلا تجد بين مسؤوليها من يهتم بشكاوى الناس بل إن بعضهم يعتبر الشكوى نوعًا من التمرد وبالتالى فإن الشاكى أو المتظلم هو متمرد على القانون أو على رئيسه وأحيانًا يصل الأمر إلى معاقبة الشاكى على تجرئه لتقديم شكوى. ثقافة الشكوى فى مصر تعانى من الأزمة فمن ناحية الشاكين بعضهم انتهك هذا الحق واستخدمه إما بكثرة أو فى غير محله وفى المقابل هناك المشكو فى حقهم الذين يعتبرون أن مجرد التفكير فى هذا الأمر إهانة كبيرة لهم فيعدون العدة لمعاقبة الشاكين، أما الطرف الثالث فهم المسؤولون الذين يتلقون الشكاوى أحيانًا بتبلد وإهمال أو يقومون بإحالة الشكوى إلى المشكو فى حقه لينتقم ممن قدمها. مرة تعرضت لمشكلة فقررت التقدم بشكوى للمسؤولين فلم يرد أحد أو يعقب باستثناء د. كمال الجنزورى، رئيس الوزراء وقتها الذى أرسل إلى الجهة المختصة يستفسر عن الواقعة مما كان له أكبر الأثر فى إنهاء الأزمة خاصة أن شخصية د. الجنزورى معروف عنها الجدية والصرامة فتم التعامل مع خطابه بالتزام شديد.. ولكن فى مرة أخرى طلب منى لواء سابق تقديم ملف باسمه حول واقعة ظلم تعرض لها إلى د. عبدالرحيم شحاتة، محافظ القاهرة وقتها، حول فساد نائبه وكان الملف مدعومًا بالمستندات والمذكرات الشارحة.. وكنت أعتقد أن الأمر سيتم بحثه على أعلى مستوى، خاصة أن من أرسله يدرك ما يكتب وطبيعة الاتهام كما أن الطرف الآخر «نائب المحافظ» مسؤول كبير لكن لم يحدث شىء ولم يطلب أحد الرجل للتحقيق فى الواقعة.. نفس الشكوى ذهبت إلى وزير التنمية المحلية وقتها لكنه التزم الصمت أيضًا. يبدو أن المسؤولين لا يقدرون حق الشعب فى الشكوى بدلاً من أن يشجعوا ثقافة الشكاوى التى ستكشف لهم العديد من الألاعيب التى تدور خلف ظهورهم.. وكم من شكاوى صغيرة كشفت عن قضايا كبيرة وخطيرة عندما كان هناك مسؤولون يعملون من أجل الشعب وليس كل همهم دعم مرؤوسيهم على حساب قيم الحق والعدل والمساواة. القطاع الخاص فى مصر أدرك قيمة الشكوى فلا تدخل هيئة إلا وتجد صندوقًا للشكاوى والمقترحات حتى سيارات القطاع الخاص أصبحت تحمل أرقام تليفونات يمكنك استخدامها لتشكو من السائق، خاصة أن معايير التعيين فى القطاع الخاص مختلفة ولا توجد حسابات خاصة كثيرة، أما الحكومة والقطاع العام فأسرار العلاقات بين المسؤولين ومرؤوسيهم أعمق بكثير من حق الشعب فى الشكوى.