من حق السيد جمال مبارك، الأمين العام المساعد بالحزب الوطنى، الحاكم وأمين لجنة السياسات فيه، أن يختار الوسيلة والأداة المريحة التى يرغب من خلالها فى التخاطب مع المجتمع، سواء كانت تلك الوسيلة «افتراضية» عبر غرف الشات أو ما يسمى فى لغة المتعاطين مع الإنترنت «بالسايبر»، أو عبر واقع مزدحم بالهموم والمشاكل فى القرى والمناطق الشعبية الفقيرة. فهو يرى مثل بعض رجال الحكم أن ال«بالتوك» أو ال«فيس بوك» وغيرهما من المدونات وغرف المحادثة على الشبكة العنكبوتية ليست حكراً على مجموعات وأفراد معينين لغتهم السائدة فيها هى الهجوم على الحكومة وسياساتها والتهجم على رموزها وإعلامها وبث روح الإحباط واليأس فى تغيير الوضع الراهن فى مصر على عكس ما تراه الحكومة. وبالتالى «فالبلتكة» - نسبة للبالتوك - والفسبكة - اشتقاقاً من الفيس بوك - حق متاح للجميع، معارضة وحكومة، مثل الماء والهواء والغذاء رغم ثبوت تلوثها، بهدف تداول الأفكار والرؤى والأحلام وممارسة قليل من الحب والثورة والغضب والاحتجاج أحياناً، فليس هناك ما يمنع مادام الوضع تحت السيطرة وكله فى الافتراضى. من هنا مارس السيد جمال مبارك حقه الطبيعى فى الفسبكة كأول مسؤول مصرى وثانى مسؤول عربى يدرك قيمة وخطورة تلك الوسائل الافتراضية فى مخاطبة شعبه الحبيب، وسبقه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس وزراء دولة الإمارات وحاكم دبى، الذى أنشأ صفحة شخصية له على الفيس بوك، بما يؤشر إلى بداية مرحلة جديدة فى حياة المسؤولين العرب والتحول إلى التكنولوجيا الحديثة. وفى الحوار الافتراضى كشف جمال مبارك عن بعض أحلامه فى أن يكون فى مصر 3 أحزاب قوية، ولكنه لم يبين كيف الوصول إلى ذلك وما أسباب تدهور الحياة الحزبية فى مصر. واعتبر أن مصر فى حالة «مخاض» وتعيش مرحلة انتقالية لكن المجتمع يقاوم التغيير. لكن أهم ما جاء فى الحوار حديثه عن الفساد وإقراره بأنه السبب الرئيسى فى شعور الشباب بالإحباط والتشاؤم من إمكانية حدوث تغيير إيجابى فى مصر، وقال إن هناك تشريعات جديدة للقضاء على الفساد سيتم إصدارها لسد المنافذ والثغرات التى تؤدى إليه. لكنه - أى السيد جمال مبارك - لم يوضح طبيعة هذا الفساد، وماهية تلك التشريعات التى ستواجهه، وأين هى تلك المنافذ أو الشوارع التى يتسكع فيها ويتبختر على مسمع ومرأى من الحكومة؟! وكنا نتمنى عليه - ومازلنا - وهو الرجل الذى يرأس أهم لجان الحزب الحاكم فى مصر ومطبخه السياسى والاقتصادى والتشريعى أن يكشف عن خطته للقضاء على الفساد العنكبوتى وشبكته اللامتناهية التى لا نعرف من أين تبدأ وإلى أين تنتهى. فالسيد جمال مبارك يدرك تماماً، أو هكذا نزعم، أنه يعرف من أين يأتى الفساد وكيف يواجهه طالما توفرت الإرادة الحقيقية، وهو يدرك أن تزاوج رأس المال بالسلطة سبب رئيس للفساد فى ظل غياب الرقابة والشفافية، ونتج عنه توحش شريحة من رجال الأعمال وفساد بعضهم فى مواجهة القانون، فى المقابل ازدادت معدلات الفقر والبطالة وزاد عدد الفقراء فى مصر بنسب مزعجة. فالتقارير الدولية ومنها تقرير التنمية البشرية العربية الأخير، التى بالتأكيد يطلع عليها السيد جمال مبارك، تشير إلى أن معدلات الفقر فى مصر بلغت 41 بالمائة من إجمالى عدد السكان، وبالتأكيد أيضاً أن هؤلاء لا يعرفون كيفية الوصول إلى المسؤولين فسبكة أو بلتكة لبث همومهم وأوجاعهم. فهناك من هم خارج الفيس بوك من يستحقون حواراً حقيقياً يستدعى النزول إليهم للاستماع إلى مشاكلهم وقضاياهم.