مستحيل أن ينجز طبيب أو فيزيائى أو كيميائى أو عالم رياضيات إنجازاً علمياً له وزنه ويستحق جائزة خارج إطار العمل المشترك فى جامعة أو مركز بحثى، له درجاته العلمية المعترف بها، ولكن من الممكن جداً أن يضيف مفكر حاصل على الشهادة الابتدائية مثل العقاد أو شهادة فوق متوسطة مثل هيكل إلى علم التاريخ دون دكتوراه أو حتى ماجستير ويستحق الجائزة ويخطفها من أستاذ تاريخ يأخذ كتب هيكل والعقاد كمراجع لأبحاثه! لذلك لا تخضع جوائز العلوم الإنسانية الاجتماعية لشروط العلوم الطبيعية لشرط الحصول على الدكتوراه كمسوغ للعبقرية والاستحقاق، ولكن كيف نفسر ذلك؟! تفسير ما سبق يعود إلى الاختلاف ما بين العلوم الطبيعية أو ما يسمونها العلوم الصلبة والعلوم الإنسانية أو التى يسمونها العلوم الرخوة، فالأولى مثل الفيزياء تحتاج إلى معامل بحثية وهرم متدرج من الأساتذة والباحثين لا يتوفر إلا فى الجامعات، أما العلوم الإنسانية مثل التاريخ وعلم الاجتماع والنقد المسرحى فليس شرطاً درجة الدكتوراه للحصول على التميز والجائزة، وليس هذا انتقاصاً من حملة الدكتوراه فى هذه المجالات، فمنهم بالطبع من يستحق التكريم والتميز والجوائز. ولكنى أريد التأكيد على الاعتراف بالمواهب والعبقريات التى تتميز فى مجالات العلوم الإنسانية، ومنهم د. سيد القمنى، الذى لا يهمنى من قريب أو بعيد مسألة شهادة الدكتوراه التى يحملها، وهل هى من كاليفورنيا أو من الإسكيمو، لأننى واثق من أن إنجازه الفكرى كان سيحدث حتماً، حتى ولو لم يحصل إلا على الثانوية العامة، لأنه يمتلك الموهبة والأهم العقل النقدى الجسور. تأكيداً على ما سبق سأقدم عدة أمثلة لتوضيح وجهة نظرى.. بالنسبة للتاريخ من أفضل ما كتب عن الثورة العرابية ما كتبه صلاح عيسى اللادكتوراهاتى! والذى يعتبر كتابه مرجعاً مهماً لتلك الفترة، وكذلك ما كتبه هيكل بالنسبة لفترة الثورة، ولو قارنا بين ما كتبه الأستاذ الدكتور رشاد رشدى من مسرح وبين ما كتبه تلميذه نعمان عاشور، اللادكتوراهاتى، سنلاحظ فرقاً رهيباً، ولو قرأت النظرية النقدية التى كتبها يوسف إدريس بعبقرية مع مسرحية الفرافير، لوجدناها تتفوق وبامتياز كأسلوب ومنهج طرح، وتتجاوز كثيراً من دراسات حملة الدكتوراه فى النقد، ولو قارنا بين جهد الأبنودى الحاصل على التوجيهية فى السيرة الهلالية وبين جهد كثير من أساتذة الأدب الشعبى لوجدنا الأبنودى متفوقاً! حتى فى الموسيقى الكلاسيكية المتخصصة المركبة، لن تجد فى مصر من حللها وقدمها طبقاً شهياً للمستمعين مثل السندباد الطبيب حسين فوزى! السؤال الذى يفرض نفسه: لماذا سيد القمنى هو أكثر المفكرين المستهدفين الآن للهجوم الذى يصل إلى حد الدعوة لقتله وتطبيق حد الردة عليه بعد فرج فودة؟، لأنه مثل فرج فودة لم يقبل بالبرج العاجى، ونزل ليشتبك مع الواقع فى مقالات ومناظرات وحوارات فى فضائيات، فطالما أنت تدير مشروعك الفكرى العلمانى المستنير داخل صفحات كتب تباع نسخها المهترئة على مدى نصف قرن. فأنت فى شبه أمان جزئى من تكفيرات وتخوينات جبهة علماء الأزهر، ولكن أن تقتحم الصحف والنت والفضائيات لعرض موقفك مثل القمنى، أو تنزل الانتخابات مثل فرج فودة، فأنت هدف للمكفراتية، ومهدر دمك لا محالة من المؤلفة جيوبهم بالريالات الوهابية، لأنك ستهدم معبد البيزنس والسبوبة الدينية على رؤوسهم. وإلى السبت القادم