عايزة بت يا خلف لم يستطع خلف أن يصمد هذه المرة. أغمض عينيه وسد أنفه، وحط قطرتين من مائه الدافق على جمرتها فانطفأت. وفى آخر شهور حملها بدت بطولها المفرط وجسدها المنتفخ مثل قلع مركب. وعندما تحسست ميسونة بت معبد عبد الحق بطنها وضغطت على أحد ثدييها بشرتها بأن فى بطنها توءماً، أحدهما أو كلاهما بنت.. وصدقت ميسونة: اصطدمت بويضة بحيوان منوى، فأفرخت ولدا وبنتاً متشابهين إلى حد التطابق: خلف الله وشربات. وفى حين خفف خلف الله من صدمة خلف فى شربات.. استحوذت شربات على اهتمام هضبة، ومنحها بكاؤها إحساساً بوسع البيت. كانت تضع القرش على القرش لتشترى لها قماش جلابية جديدة أو صندل أو توكة شعر. ولم يكن يمر أسبوع دون أن يضع عواض المسلوب قفص البيض على عتبة بيت خلف تكفا ويجلس فوقه، بينما هضبة تفاصله من داخل العتبة وهى تقلب فى محتويات القفص، وتبذل قصارى جهدها لتغالطه فى الحساب. [5] البت اتلبست! لسبب لا تعرفه هضبة.. أفلتت حانز من مصير شقيقتها الصغرى شربات. تأتى ميسونة مرت معبد، خاتنة كل بنات البلد وتيوسها، وفى عبها موسى الحلاقة وكيس البن. تطلب من هضبة أن تضع حانز على ماجور العجين وأن تفتح فخذيها على الآخر، مع الضغط عليهما بكل قوة لتثبيتهما، فإذا بحانز تضم فخذيها على سوءتها، فكأنهما خُلِقتا ملتصقتين. أربع محاولات ختان فاشلة، وفى الخامسة تعاطف معها خالها سمانى وانتزعها من حضن هضبة وأخذها لتقيم فى كنف جدتها فاخرة. ويوماً بعد يوم ملأت عليه البيت ولم يعد يتحمل غيابها، وكلما تطلع إلى وجهها وملس على شعرها أحس بالراحة والامتنان: ■ ■ إنتى يا مقصوفة الرقبة! انخلعت حانز من حضن فاخرة وأتت إلى خالها سمانى جرياً فتعثرت فى عتبة الباب وسقطت على وجهها فى صحن البيت، فنبح الكلب مفزوعاً، وتفرق جمع صغير من الفراخ، والتفتت الجاموسة غير عابئة: ■ ■ غورى ازقينى. تسلقت حانز حمالة الزير ورفعت الغطاء وكبت نصفها العلوى، فلم تخرج إلا بندعة ماء تلق فى قعر السطل. رفع سمانى السطل على فمه، فلاحظ أن الماء قليل وعكر، فانتظر بضع ثوانٍ ثم بدأ يشرب. وأثناء ذلك دست حانز يدها فى سيالة خالها أملاً فى العثور على بلحة أو ملبسة أو إصبع ملبن أو قمع عسل فلم تعثر إلا على ستين فضة، أى قرش ونصف، فأخذتها وأطلقت ساقيها للريح، وكان عبدالله ينتظرها كعادته عند جذع النخلة السفافة: ■■ حلمت إنك واقفة جوة بحر كبير.. كبير قوى.. وأنا قال واقف على الشط. لا إنتى قادرة تطلعيلى ولا أنا قادر ننزلك. وبعدين يا ستى اللا ما إنتى طلعت لك قال سمكة كبيرة.. كبيرة قوى.. بلعتك مرة وِحْدَة وراحت غاطسة بيكى تحت المية.. وأنا قعدت نبكى.. نبكى.. نبكى.. لغاية ما صحيت. لا أحد من أهل الشق يعتقد أن ما بين حانز وعبدالله يمكن أن يتجاوز لعب العيال، فى حين راهن سيدنا من البداية على أن هذه العلاقة ستكون شعرة الدم التى تصل القاتل بالقتيل، وخطط لإقحامها فى صراع بيت الدكر والغرابلية: أقنع سمانى بأن حانز ستكون طُعماً لاصطياد عبدالله، وطلب منه أن يتركهما يلهوان حتى تصبح العلاقة بينهما أمراً واقعاً ويتزوجا، وبهذه الطريقة تؤول حصة عبدالله فى تركة بيت الدكر إلى الغرابلية. وفى المقابل أقنع همام وعسكرية بأن من الأفضل لهما أن يشجعا ولدهما على جر البنت إلى جرسة مدوية تجعل الغرابلية يمشون بين الناس ورؤوسهم مدلدلة على صدورهم. لم يكن خلف معنياً أصلاً بأمر حانز ولم يشعر يوماً أنها تشبهه. وكلما نظر إليها أحس أنها تنتمى إلى أب آخر وأم أخرى. لكن.. إذا كان خلف معذوراً لأنه رجل، فليس لدى هضبة فى الحقيقة ما تورثه لها.. إن كانت تشعر بالفعل أنها ابنتها: أنف حانز كالنبقة، وأنف هضبة منفوش مثل قرن الفلفل الأخضر. شفتا حانز رهيفتان كورقتى بفرة بينما شفتا هضبة مكتنزتان كشفتى نواعم عبدة بيت الدكر. شعر حانز ناعم وأصفر كسنابل القمح، وشعر هضبة أخشن من ليف نخلة الساقية. جسم حانز، حتى وهى لا تزال فى العاشرة، طالع ملفوف كضفيرة الملبن، بينما هضبة اسم على مسمى. هكذا مرنت هضبة نفسها على نسيان حانز، واستعاضت عنها بشربات. لكن المشكلة أن شربات هى الأخرى تقضى ساعات الليل سارحة بين أسطح البيوت وبسطاتها: مرة تسطو على قعباية لحمة، وأخرى على ماجور رايب، وثالثة على كسرونة سمنة. وإذا لم تجد شيئاً من كل ذلك لهطت منطال العدس الذى تسد به ميسونة مرت معبد عبدالحق فوهة كانونها طوال الليل وتوزعه على طقتين: مفتوتاً فى الإفطار ومغمساً فى العشاء. مر وقت طويل قبل أن تلاحظ هضبة أن جسم شربات لا يكاد يخلو من كدمة خفيفة، أو جرح سطحى، ومع ذلك لم تكن تقلق أو تهتم. وحتى عندما استيقظت البنت من نومها وهى تعرج، توقعت هضبة أن يكون الأمر مجرد شقاوة عيال. وذات يوم انحنت عليها وهى نائمة، وحاولت أن تلفحها على باطها لتنقلها إلى فراشها، فأحست أنها ثقيلة أكثر من اللازم. وضعتها على الدكة وسوت ملابسها وشدت عليها الغطاء وانصرفت، وبعد لحظات قرصها قلبها، فحملت اللمبة نمرة خمسة وعادت إليها. قربت اللمبة من وجهها وتفحصتها جيداً، فلاحظت أنها قاطعة النفس، فدبت على صدرها وزعقت: ■■ الحقنى يا خلف! كانت شربات قد تجاوزت عامها الأول بقليل عندما أصبحت روحها تحل فى جسد قطة سوداء فاحمة لا يمكن لمخلوق أن يكتشف حقيقتها إلا إذا شاهد ذيلها القصير وعينيها الزجاجيتين. إذا ضُرِبَت القطة فى موضع من جسمها ظهر أثر الضربة فى الموضع الذى يقابله من جسم شربات. هب خلف وعبدالطاهر مفزوعين. تأملا وجه شربات فأجهش عبدالطاهر بالبكاء، وبصق خلف وابتعد غير مبالٍ. وبعد دقائق فوجئت هضبة أن البنت تتمغط فى فراشها ثم تستدير لتنام على جنبها، فأصابها ذهول ولم تعرف ماذا تفعل: هل تفرح لأنها لا تزال حية، أم تقلق لأنها ملبوسة!. وفى مساء اليوم التالى اشترت نصف دستة شمع ولفحتها على كتفها وذهبت إلى المقام تطلب تفسيراً، فأجابها صوت من الداخل: ■■ ما تخافيش.. البت شقة جوز.. كل ما تنام تسرح! وعندما ذاع صيتها فى الشق وكثرت الشكاوى من سطوها على بيوت الناس صرخ الصوت فى وجهها: ■■ مش كملت سنتين يا ولية؟ ردت هضبة وهى لا تفهم قصده: ■■ كملتهم يا خويا! فلم يقل سوى كلمة واحدة وكأنه يتلو قرار إعدام: ■■ طاهروها! ومنذ سمعت هضبة هذه الكلمة وهى متشائمة، تتطلع إلى البنت بقلب مقبوض وعينين متسائلتين: ■■ مدد يا حلفاوى! ندرن عليا لو البت عاشت لندبح لك جدى! وقبل صلاة ظهر الجمعة، سبحتها وفتلت شعرها ضفيرة واحدة وألبستها جلباباً أبيض نص كُم بخصر مزموم وكرانيش فوق الركبة وأربع زراير فى الظهر، وأعطت عبدالطاهر مية فضة ليشترى لها علبة ملبن من دكان ناروز. كان الوقت يمر على هضبة ثقيلاً، وكانت شربات غافلة، منهمكة فى ملبنها وقد تلطخ جانبا فمها بدقيق السكر وبدأت تضيق بلزوجة أصابعها.. وجاءت بخيتة: ■■ يا صلاة النبى يا صلاة النبى.. مفيش دنشة ملبن لجدتك ميسونة! حاولت ميسونة أن تخفف من وطأة حضورها، لكن البنت جفلت فتركتها تلهو وراحت تعد العدة. قلبت ماجور العجين وفرشت عليه محرمة بيضاء، وأخرجت من عبها كيس البن والموسى. طلبت ميسونة من هضبة أن تضع شربات على ماجور العجين، وأن تفتح فخذيها قدر استطاعتها. كلبشت شربات فى رقبة أمها وبدأت تبكى، فجفلت الأم، فتقدمت ميسونة وأخذتها من حضنها بالقوة. جأرت البنت وقاومت، وكان قلب عبدالطاهر يتمزق وهى تتطلع إليه مستنجدة من وراء غلالة الدموع. أجلستها ميسونة على الماجور وجلست وراءها، ثم فتحت فخذيها الصغيرتين وطلبت من هضبة أن تضغط عليهما بقوة. لم يتحمل عبدالطاهر فخرج من الغرفة، وفكرت هضبة أن تستر البنت وتتراجع، لكن ميسونة زعقت فى وجهها وطلبت منها ألا تتحرك وإلا تسبب الموسى فى كارثة. بسملت وغرزت أصابعها بين فخذى شربات وأحكمت قبضتها على فتيل الشهوة وجزته من جذره. وخلال اللحظات التى مرت قبل أن تعثر ميسونة على كيس البن كانت شربات قد دخلت فى إغماءة، بينما لطخ الدم كرانيش جلبابها الأبيض والمحرمة المفروشة على الماجور. كبست موضع الجرح بالبن، وطلبت من هضبة أن تنقلها إلى الدكة وأن تحافظ على فخذيها مفتوحتين فترة، ثم نهضت وغسلت يديها وجلست تنتظر وهبتها. وفى غضون ذلك لاحظت هضبة أن غيبوبة شربات طالت أكثر من اللازم، فتوقفت عن التهوية أمام وجهها. ندهت عليها فلم ترد. ربتت على خدها فلم ترد. عندئذٍ.. أمسكت ميسونة معصم شربات ورفعت يدها، ثم تركتها تسقط، فأدركت أن البنت فارقت الحياة: ■■ مالكيش حظ ف البنات ياختى.. شدى حيلك!