جاء بث المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، على خامنئى، بيانًا يطالب فيه الرئيس أحمدى نجاد بإقالة نائبه رحيم مشائى فى وقت الذروة على التليفزيون الرسمى الإيرانى، أمس الأول، ليثير التساؤلات حول مدى الانقسام الذى تعانية مؤسسة الحكم الإيرانية، خاصة بعد الاضطرابات التى شهدتها طهران فى أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ولاشك أن نجاد اتخذ قرارًا يفتقد إلى الحكمة السياسية بتعيين مشائى نائبًا أول له، ليس فقط لتصريحات الأخير حول «صداقة» إيران لإسرائيل، ولكن لأن مشائى صهر نجاد مما يفتح بابًا واسعًا للحديث عن المجاملات فى ظل أجواء متوترة بعد الانتخابات الرئاسية. جاءت تصريحات مشائى حول إسرائيل وبعض التصريحات التى تؤيد إطلاق الحريات لتجعله أقرب للإصلاحيين من المحافظين، حتى أن أكثر الإصلاحيين ليبرالية لا يمكن أن يتحدث عن صداقة إسرائيل، بينما يحظى حديث نجاد عن إزالتها من الوجود بقبول واسع وتأييد بين الإيرانيين. وبدا واضحا أن بيان المرشد جاء حرصًا على استمرار نجاد وعلى شرعيته، وهو ما يتضح من خلال تأكيد خامنئى على أن إقالة مشائى من مصلحة نجاد نفسه، ويبدو كلام المرشد صحيحًا خاصة أن مشائى تسبب فى معاناة نجاد من انقسام فى القاعدة الجماهيرية المحافظة التى تدعمه، وهو ما يتضح من خلال تحذيرات النواب المحافظين من رفض التعامل معه، وامتناع وزراء حكومة نجاد عن حضور أى اجتماعات برئاسته. وجاء قرار مشائى بالاستقالة ليؤكد أن خامنئى يبقى فى النهاية السلطة التى لا يمكن تحدى رغباتها فى إيران، مما دفع نجاد للامتثال لقرار خامنئى حتى وإن حاول مقاومة الضغوط لبعض الوقت. ويرى البعض أن نجاد سيكون مضطرًا للقبول بقدر أكبر من التدخلات من جانب المرشد والمؤسسات المحافظة فى النظام الإيرانى بعد الانتخابات التى شهدت تشكيكًا فى شرعيته كرئيس، وأن الضغوط الحالية عليه لإقالة مشائى هى بمثابة بالون اختبار لمدى قدرة نجاد على الصمود فى مواجهة الضغوط. ولاشك أن نجاد سيجد صعوبة فى التعامل مع الضغوط المختلفة، خاصة فى ظل الانشقاقات الموجودة حول شخصه فى التيار المحافظ، لتبقى وسيلة الرئيس الأساسية لمواجهة الضغوط ما يمتلكه من رصيد إيجابى لدى فقراء إيران، مما يؤهله لاستخدامهم كوسيلة للضغط الشعبى لموازنة ضغط بعض المسؤولين عليه. يبقى أن ما يدور حول مشائى يأتى تأكيدًا لطبيعة النظام الإيرانى الذى لا يعطى السلطات كلها للرئيس، بل يوزعها بين مؤسسات مختلفة تمارس ضغوطًا على بعضها البعض، ليبقى المرشد الأعلى هو الشخص الوحيد والأساسى الذى يتمتع -دستوريًا وعرفيًا ودينيًا- بسلطة النصيحة والتوجيه والأمر.