هل تعيش مصر مرحلة فوضى سياسية؟ هل شاخت الدولة ووهن جسدها، فأصبحت مطمعا لجماعات صغيرة؟ هل يمكن أن نستيقظ يوماً ونجد أنفسنا فى أتون معركة بين هذه الجماعات، بعد التهميش المتعمد لكل العقلاء؟ وإذا كان هذا غير صحيح، فبماذا نفسر تشبيه الدكتور مجدى الشربينى، أستاذ العلوم السياسية، حركة شباب 6 أبريل، بتنظيم الضباط الأحرار؟ وفى أى سياق يمكن أن نفهم طبيعة المعركة الشرسة التى تدور رحاها على مواقع النت للفوز برئاسة مصر؟ فالناشطة الحقوقية داليا زيادة، أعلنت الثلاثاء الماضى نتائج استفتاء تفوق فيه الزعيم «المزور» بحكم القضاء، على الوريث «غير الشرعى» بحكم الدستور الجمهورى، وحلَّ ثالثاً عصام العريان، ممثل «الإخوان»، وجاءت كل الأسماء المحترمة والمهمة فى ذيل القائمة. جاء عمرو موسى فى المركز السادس بنسبة تأييد لا تتجاوز 4%، ثم عمر سليمان بنفس النسبة، وأخيراً أحمد زويل ومحمد البرادعى بنسبة 3%. ورغم أن الاستفتاء لم يُنسب لجهة موثوقة، ولم تعرف أدواته الاستقصائية، ولا من هى داليا، إلا أنه أشعل ناراً أذكتها كل الأطرف. نور الذى يصنع وجوده بفرقعات، من قصة طلاقه، والادعاء بأن مجهولاً اعتدى عليه بمادة حارقة، والاعتصام فى فندق رفض مبيته دون تقديم إثبات شخصية، نور هذا أمسك بيديه وأسنانه فى استفتاء الناشطة، واتخذه منصة للانقضاض على منافسه جمال مبارك، وراح يكيل له الاتهامات ويصفه ب«الظاهرة المصطنعة»، فلم يتوان بعض رجالات الحزب الوطنى فى الرد، ومنهم محمد هيبة أمين الشباب الذى اعتبر نور «مريضاً ويحتاج لعلاج نفسى». قبل هذا الاستفتاء بأيام قليلة، وضعت جماعة (محبى جمال مبارك) على (فيس بوك)20 سبباً لاختيار جمال مبارك رئيساً مقبلاً، ونشرت القائمة على موقع أخبار مصر، وأرجو ألا يسألنى أحد عن «الجروب»، لأننى أحسبهم مثل الناشطة. أما المميزات العشرون التى تجتمع فى جمال وحده، فمنها أنه: «ابن الرئيس، لديه خبرة ومؤهلات علمية وإلمام بجميع الأمور السياسية، وعلاقات خارجية واسعة، وسمعة حسنة، وأمانة مالية، فضلاً عن قيادته لثورة الإصلاح والتطوير داخل الحزب، ودعمه للشباب والمرأة، وتمتعه بكاريزما)، ولو توقفت عند كل سبب لأصابتك الدهشة، فالحديث عن جمال تجاوز كونه أمين لجنة فى الحزب الحاكم بأمره، إلى زعيم ثورة إصلاح، وقائد لملحمة التصحيح، وليس راعياً لرجال يمارسون كل صنوف الفساد والشر. ورغم تشكيكى فى استفتاء الناشطة، وتكذيبى للصفات الرسولية لجمال ، لا أرى شعبية لأحد من الذين وضعهم الاستفتاء فى المقدمة. فمقعد الرئاسة محسوم ومتفق عليه، شاء الشعب أم أبى، إلا إذا انشقت الأرض وتغيرت كل الأوراق، وفى مقدمتها الدستور، بما يمكن كل مصرى من الترشح للرئاسة، وبما يضمن انتخابات غير مزورة، أى بإشراف قضائى كامل، وبما يطلق حرية إصدار الصحف وتكوين الأحزاب. وهذا ليس فى نية السلطة، التى يروق لها الوضع الحالى، وتناسبها هذه المعارك التى تهيئ لها طريقها، وتقودها حيث خطتها الموضوعة بإحكام منذ ما قبل التعديلات الدستورية الأخيرة التى شهدت جريمة إخراج القضاة من الإشراف الكامل على الانتخابات، دعماً لمبدأ التزوير التام أو الموت الزؤام الذى اعتمدته السلطة الحاكمة، وجربته بنجاح ساحق فى انتخابات الشورى وبعض دوائر الشعب. هذه ليست معركة يصنعها المراهقون أو العابثون على شبكة الإنترنت، إنما هى حملات مدبرة تدار بإحكام، ليجد الشعب المصرى نفسه مضطرا للاختيار بين أحلى «المر.. ين». كلام عابر: يقول أمير الشعراء: وهذه واقعة مُستغربهْ.. فى هوس الأفعى وخُبث العقربَة.