فاجأت وزارة الإسكان المواطنين بشروطها الجديدة، للتقدم لقرعة الأراضى التى ينتظرها «متوسطو الدخل»، بعد تأخر قرابة عامين عن آخر قرعة علنية للإسكان العائلى، وسط استياء عدد كبير من العائلات بسبب ضياع حلم الإقامة، بمدينة القاهرةالجديدة. وفى الوقت الذى طرحت فيه الوزارة 3551 قطعة فى القرعة الخامسة، التى سيفتح باب الحجز فيها اليوم بفروع بنك التعمير والإسكان، لم يجد متوسطو الدخل «ضالتهم» المنشودة فى أى من هذه الأراضى، فالوزارة لم تطرح أراضى فى الشيخ زايد أو 6 أكتوبر، رغم أن الأسعار بهما لم تكن لتقل عن 1000 جنيه، فيما جاء سعر المتر فى القاهرةالجديدة بمثابة «الصدمة» لهم بعد وصوله ل1800 جنيه. وفى مدينتى الشروق والعبور وصل سعر المتر إلى 800 جنيه، أما مدن الصعيد الجديدة فبالرغم من أنها الأقل سعرا بين المدن فإنها لا تزال تحتاج الكثير من التنمية ولا يقبل عليها الكثيرون من أبناء محافظات الصعيد. ولم يتوقف الأمر عند حد الأسعار فحسب وإنما تعداه إلى الشروط الأخرى التى اعتبرها البعض «مجحفة»، ومنها عدم امتلاك وحدة سكنية فى أى من المدن الجديدة، بالرغم من أن المهندس أحمد المغربى، وزير الإسكان، أكد أكثر من مرة أنه لا يرفض انتقال المواطن من مسكن صغير إلى آخر أكبر عن طريق الوزارة، فيما اعتبر عدد من خبراء العقارات أن الوزارة أصبحت بمثابة «التاجر» وتحاول منافسة المستثمرين، مشيرين إلى أن الأسعار التى طرحتها الوزارة تستهدف فئات معينة أغلبهم «مليونيرات» ممن يستطيعون البناء والسداد فى مدة لا تتجاوز 4 سنوات، وهى ما تعد سياسة ضارة اقتصاديًا واجتماعيًا، وطالبوا الوزارة بتحديد فترة سماح سواء للبناء أو سداد قيمة الأراضى، خاصة أن المدة المحددة من شأنها رفع أسعار مواد البناء.. «4 حيطان» يستطلع آراء الخبراء فى القرعة الجديدة خلال السطور القادمة. فمن جانبه، استنكر يسرى على عبدالواحد، رئيس إحدى شركات الاستثمار العقارى، مدة التوقيت التى حددتها الوزارة للبناء وسداد قيمة الأرض، مؤكدا أن السداد على 4 سنوات مناسب أكثر للشركات الاستثمارية التى لديها ملاءة مالية وليس مناسبا للأفراد، خاصة أنهم سيلتزمون بالبناء خلال 3 سنوات. وأوضح عبدالواحد: «توقيت البناء مناسب جدا، ولكن بشرط مد فترة السماح فى السداد كما كان فى القرعات السابقة، حيث كان يسمح للأفراد بالبناء مع وجود فترة سماح 3سنوات وبعدها يسدد القيمة المتبقية على 7 سنوات». وأضاف: «مبررات شرط السداد غير مفهومة»، خاصة أن الأراضى التى تم طرحها فى هذه القرعة كاملة المرافق وبعضها مسحوبة من أفراد سبق لهم التخصيص. وحول أسعار الأراضى فى مدن القاهرة الكبرى اعتبر عبدالواحد أن سعر 1800 جنيه للمتر فى القاهرةالجديدة مناسب للغاية، خاصة أن من يرد السكن فى هذه المدينة عليه سداد القيمة المناسبة للأرض، فضلا عن أن الوزارة لا تريد ذهاب معظم المواطنين إلى هناك على اعتبار أنها «زمالك زمان»، مشيرا إلى أن سعر المتر فى مدينتى الشروق والعبور الذى وصل إلى 800 جنيه، يعد مبالغا فيه معلقا بقوله: «كأن الوزارة أصبحت منافسة للتجار». واتهم الدكتور خالد خاطر، أستاذ الهندسة بجامعة الفيوم، وزارة الإسكان بلعب دور «التاجر» بسبب تحديد فترة السداد ب4 سنوات فقط مع رفض المالكين لوحدات سكنية التقدم للقرعة، مؤكدا أن الأسعار التى طرحتها الوزارة ستجعلها «رابحة» بشكل كبير، فضلا عن أن صاحب أى وحدة سكنية حتى ولو كانت فى المدن الجديدة من حقه السكن فى بيت «مستقل» له ولأولاده. واعتبر خاطر شروط الوزارة غير واضحة المعالم، ويجب إعادة النظر فيها، خاصة أن بعضها مجحف إلى حد كبير- حسب تعبيره- مقترحا منع من يمتلكون أكثر من وحدة سكنية وليس واحدة فقط، مع مد فترة السماح إما للسداد أو البناء. وأوضح أحمد الزينى، نائب رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية، أن الأسعار التى حددتها الوزارة مرتفعة للغاية خاصة لمتوسطى الدخل، مؤكدا أن من سينافس فى القرعة هم «فئات» معينة ومعظمهم «مليونيرات». وقال الزينى: «من يرد الاشتراك فى القرعة لابد أن يكون مليونيرا، وحتى لو معه مليون جنيه فقط لن يستطيع الاشتراك، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية، وبالتالى ستفقد القرعة هدفها الأساسى وهو توفير مساكن لمتوسطى الدخل»، محذرا من دخول السماسرة بقوة فى هذه القرعة على عكس القرعات السابقة. وأضاف: الأسعار مرتفعة للغاية، والفترة الزمنية التى حددتها الوزارة، بل الميزة الإضافية التى منحتها للمواطنين بالإسراع فى بناء الأدوار الثلاثة كاملة خلال 24 شهرا للإعفاء من دفع 20% من قيمة الأرض- ستؤدى لارتفاع أسعار مواد البناء خلال المرحلة المقبلة، وهو ما فعلته الوزارة أيضا فى مشروع «ابنى بيتك»، وهو ما يجعلنا على مشارف استيراد كميات ضخمة من الأسمنت، مختتما كلامه بقوله: «ربنا يسامحهم». واختلف معهم فى الرأى الدكتور حسنين أبوزيد، أستاذ الهندسة بجامعة الأزهر، مؤكدا أن الوزارة طرحت الأراضى بالسعر والشروط المناسبة للأفراد، على اعتبار أن دور الوزارة ضبط السوق وهو ما فعلته فى هذه القرعة، بعد ارتفاع أسعار الأراضى فى معظم المدن الجديدة. واعترض أبوزيد على اتهام البعض بأنها تنافس الشركات العقارية والمستثمرين، موضحا أن السوق العقارية حاليا غير متوازنة بسبب الأسعار المرتفعة، وبالتالى قامت الوزارة بطرح الأراضى فى الوقت المناسب مع وجود مميزات أخرى أهمها الإعفاء من 20% من قيمة الأرض حال الانتهاء من البناء، وهو ما سينهى عمليات تسقيع الأراضى. وبرر أبوزيد ارتفاع أسعار الأراضى التى طرحتها الوزارة بأن هناك ندرة بالأراضى فى المدن الجديدةبالقاهرة الكبرى، موضحا فى الوقت نفسه أن السوق يحكمها العرض والطلب. ورفض طه السيد عبداللطيف، عضو شعبة الاستثمار العقارى باتحاد الغرف الصناعية، شرط الوزارة بشأن عدم امتلاك المتقدم وحدة سكنية، معتبرا إياه مجحفا، خاصة أن من يمتلك وحدة سكنية- حتى ولو كانت بمساحة كبيرة نوعا ما- من حقه السكن فى بيت يمتلكه، مشيرا إلى أن طرح الأراضى لن يؤثر على سوق مواد البناء، على أساس أن هناك توازنا فى عدد الأراضى، سواء القرعة أو «ابنى بيتك» مع كميات مواد البناء فى السوق. من جانبه قال الدكتور عبدالخالق فاروق، الخبير الاقتصادى: إن محاور الوزارة سواء المزايدات أو القرعة ستؤدى إلى «فرز» لصالح القادرين ماليا على حساب المحتاجين ومحدودى الدخل، مؤكدا أن الأسعار الجديدة التى طرحتها الوزارة مبالغ فيها، وتعد سياسة ضارة بالطبقة المتوسطة التى تبحث عن بيوت مستقلة. وأضاف فاروق: «الأسعار الجديدة تؤكد أن القرعة للأغنياء فقط والفقراء يمتنعون، وهى سياسة اقتصاديا واجتماعيا ضارة، حتى إن الشرط الخاص بخصم 20% لن يقلل من الأسعار كما تعتقد الوزارة، خاصة أنها اشترطت التشطيبات الكاملة وبالتالى لن يحوزها سوى القادرين ماديا».