هل تتذكر شيئا من خطبة الجمعة الماضية أيًا كان المسجد الذى أديت فيه صلاتك؟ هل أصابك التشبّع من تناول نفس الموضوعات التى دأب معظم أئمة المساجد على تناولها من عينة (الحجاب والسفور- عذاب القبر ونعيمه- أهوال يوم القيامة- خوارق السلف-....)؟ هل عايشت تجربة الاستماع إلى خطبة عصماء، من خطيب يظن أنه مفوّه، محشوة بالأخطاء النحوية لم يسلم منها الحديث الشريف ولا القرآن الكريم؟ هل آلمك ظهرك من طول الجلوس وأصاب قدميك التنميل من طول الخطبة، التى يمكن اختزالها لنصف زمنها دونما تأثير يذكر على محتواها؟ هل عانيت من مكبرات الصوت مضافا إليها صراخ الخطيب- فى غير موضعه فى كثير من الأحيان- سواء استمعت للخطبة داخل المسجد أو خارجه؟ هل تحفظ عن ظهر قلب مقدمات الخطب وحواشيها ووصلات الأدعية وزخارفها، التى تلتهم ما يقرب من ربع زمن الخطبة؟ هل تتحفظ- مثلى- وتنتابك الحيرة فى ترديد قول (آمين) خلف الخطيب عندما يدعو بالهلاك والتدمير على أمم بأكملها، ومن فيها من نساء وأطفال وشيوخ، وفيها من فيها من مسلمين وذميين يعيشون بينهم وليسوا بمسؤولين عن تدابير أو سياسات أو جرائم حكوماتهم؟! لقد ضاقت موضوعات خطب الجمعة، التى تحولت من شعيرة دينية إلى واجب روتينى مفرغ من المضمون الذى شرع من أجله.. ضاقت عن تناول ما يُصلح شؤون البلاد والعباد وضاق معها أفق الدعاة والأئمة واتسع مداها الزمنى ليمارس على المصلين صنوفا شتى من القولبة والقهر والتجهيل! لماذا التركيز- فقط- على شق العبادات من طهارة وصلاة وصوم وحج، مضافا إليها الشكليات كالزى واللحية والختان، إلى غير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وبما تم تحصيله من الأبوين أو خلال سنوات التعليم الأولى أو المطالعة أو الاستماع لإذاعات متخصصة كإذاعة القرآن الكريم؟ لماذا نهمل عن عمد جانب المعاملات؟ أليس (الدين المعاملة)؟ أين موضوعات: الصدق فى التعامل- إتقان العمل- حب الوطن- إغاثة الملهوف- المروءة- حق الجار- أداء الحقوق إلى أهلها- صلة الأرحام- إكرام الضيف- الصلح بين الناس- حماية الممتلكات العامة- النظافة- الترغيب فى العلم- أدب الاختلاف- إلخ..؟ هذا فيما يخص موضوع الخطبة، أما ما يخص الخطيب ذاته فهذا موضوع آخر. فالخطابة ملكة لا تتأتى بالحفظ والتلقين، والداعية أو الخطيب- بجانب فهمه لصحيح الدين من فقه وحديث وتفسير وعلوم قرآن وأحكام تلاوة، إلخ- يتعين عليه الإلمام أولا باللغة العربية، إلمامًا يعينه على فهم النصوص، وإلا فإن أى عوار فى فهمه للنص سوف يتبعه حتما عوار فى نقله للآخرين، متحملا بذلك أوزارهم. وباعتبار الخطابة من أقدم وأعرق فنون التواصل بين الناس أصبح لزاما على من يتصدى لهذه المهمة الشاقة- فى المجال الدعوى خاصة- أن يجتهد فى التمكن من أدواتها بالقراءة والتحصيل والمطالعة، وكذلك أن يلم بالتطور الحادث فى هذا المجال بما يعينه على فهم نفسية المتلقى، فالصوت الهادئ أبلغ فى توصيل المعلومة، والبعد عن الانفعال والتشنج يفتح قلب وعقل المستمع، كذلك فإن التسلسل فى عناصر الخطبة أولى بالإفهام. إن ضعف موضوعات خطب الجمعة إجمالا وتواضع مستوى الأئمة الذين يتصدون لها- إلا من رحم ربى- أصبح ظاهرة مؤرّقة وطاقة مهدرة يتعين على الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف توليها بالدرس والتحليل والبحث عن آليات لرأب صدعها وإصلاح ما بها من خلل. وإلى هؤلاء الأئمة المؤتمنين على الدعوة لله ولرسوله: لا تهدروا المنحة الإلهية فى جمعة المسلمين، فهى جديرة- إن خلصت النوايا- بإحداث نقلة نوعية فى وعى وفهم المسلمين بدينهم ودنياهم. م/محمود جاب الله ستيل سيتى- الإسكندرية [email protected]