المؤكد أن «محمد رضا» لم يكن طائفياً بالمرة حين قرر الترحيب بضيوفه فى قرية «ميت القرشى» بميت غمر وذهب ليشترى لهم زجاجات المياه الغازية من «جون».. والمؤكد كذلك أن «جون» لم يفكر لحظة فى كون هذا الشاب الذى ارتاد متجره مغاير له فى العقيدة. لابد أن تدرك أيضاً أن الاثنين حين اختلفا على 4 جنيهات لم يختلفا لأن أحدهما مسلم والآخر مسيحى، وإنما لأنهما مواطنان مصريان بامتياز من أولئك الذين نشاهدهم كل يوم يتشاجرون فى الشوارع، ومحطات القطارات، وداخل عربات المترو، وفى طوابير العيش والبوتاجاز والمصالح الحكومية.. يتشاجرون دون أن يسأل أحدهم الآخر عن ديانته أو يطلع على بطاقة هويته، أو حتى يركز فى علامة دينية تتدلى على صدره أو تميز باطن معصمه. لو كان «محمد رضا» طائفياً أو يشغل باله بكون أحد بقالى قريته مسيحى لما فكر فى التعامل معه من الأساس ولفضل الذهاب لبقال مسلم.. لكن الأرجح أنه تعامل كما تربى ونشأ، مثله فى ذلك مثل «جون».. كلاهما نشأ ليجد الآخر يجاوره فى السكن ويشاركه هواء القرية وشوارعها ومرافقها، وربما يشاركه مرح الشباب ولعبهم وذكرياتهم. لم يتشاجر محمد مع جون حين رفض الأخير منحه باقى ما دفعه قبل إرجاع «فوارغ» زجاجات المياه الغازية لأنه بقال مسيحى، ولم يتصور أو يدر فى خلده أن الرجل يفعل ذلك لأنه مسيحى ويكره المسلمين، لم يذهب بالمعركة الشخصية جداً إلى المربع الطائفى.. وكذلك فعل جون الذى لم يتخذ قراره باشتراط إعادة الفوارغ مقابل الباقى نكاية فى محمد لأنه مسلم، وإنما تأكيداً لقاعدة يتعامل بها أغلب بقالى القرى، وأنت تعرف هذا جيداً كما أعرفه، وتدرك أن «ترك رهن» لزجاجة المياه الغازية مسألة شائعة ومعروفة ومنطقية بين بقالى القرى جميعاً. هل تعتقد إذن أن محمد تشاجر مع جون لأنه مسيحى.. وأن جون قتل محمد لأنه مسلم، ولماذا تنظر لها بتلك الذهنية المفرطة فى سوء النية وأنت تعلم أنها مجرد شجار تقليدى بين مواطنين انتهى بمقتل أحدهما، بطريقة نسمع بها كل يوم ونرى نماذج لها كل يوم أيضاً. كيف تسمح بأخذ هذه القضية إلى منطقة طائفية، وتستدعى الأنبياء والرسل ليشاركوا فى صراع على 4 جنيهات.. كيف تغامر بمحاولة تمزيق وطن من أجل 4 جنيهات؟ فتطلق على قتيل فى شجار لقب «عريس الإسلام».. وتنظر لقاتل وكأنه «بطل المسيحية» المغوار. لم يمت محمد رضا فداء للإسلام، ولم يقتله جون انتصاراً للمسيحية وأنت تعرف ذلك جيداً.. وتعرف أن رد فعل أهل القتيل وان اتسم بعنف ومطالبات بالثأر فهو رد فعل أسرة مصرية مكلومة كانت ستفعل نفس الشىء لو كان قاتل ابنها مسلماً أو لو كانت أسرة مسيحية لقى أحد أبنائها مصرعه غدراً. فوق ذلك لا تصدق ما يدعيه مهووسون ومشبوهون سياسياً حين يقولون إن الأمن نظم عمليات تهجير جماعى لمسيحى القرية بعد تصاعد غضب المسلمين، خوفاً من البطش بهم ثأراً للقتيل.. أنت تدرك أن فى كل هذا محاولات متعمدة للى عنق الحقائق الواضحة وجرها إلى ميدان الطائفية لتكون جمرة جديدة فى موقد يتم إشعاله بتخطيط منظم تحت أرجلنا. لا تنكر أن هناك احتقانا لابد من التصدى لعلاجه بصدق، ولا تنكر أن هناك مشاكل وأزمات ومطالب للأقباط تستحق البحث، لا تنكر أن هناك من يستقوى بحالة الاحتقان ليلوى ذراع الدولة، ولا تنكر أن هناك دولة تغيب طويلاً وحين تحضر إما أن تشرعن الغياب أو تكرس التمييز.. لكن كل ذلك لا يعنى أن تدعى أن هناك «فتنة طائفية» فى ميت غمر.. فلم يحدث فى ميت غمر إلا أن مواطناً قتل أخاه المواطن والمفترض أن يدفع ثمن جريمته وحده، دون جر لعائلته وطائفته وجر للوطن كله. قتل جون محمد.. ليرحم الله محمد.. وليلهم أهله صبر المؤمنين.. وليلق جون وحده عقابه الرادع والعادل، وفقاً لقانون «أعمى» لا يفتش فى عقائد المتهمين. [email protected]