على كرسى خشبى توسط الحجرة الخالية إلا من سرير متهالك، جلست عزيزة عفيفى إبراهيم «79 سنة»، الحجرة التى تقع فى مدينة «النهضة» هى كل ما تبقى لها من الدنيا، انتقلت إليها بعد أن احترقت عشتها فى قلعة الكبش فى الحريق الشهير الذى شهدته المنطقة قبل عامين. وقتها وعدها المسؤولون فى محافظة القاهرة بإعادة بناء منزل جديد لها فى المكان الذى عاشت حياتها كلها فيه، غير أنهم طلبوا منها الانتقال لمدينة النهضة لحين الانتهاء من بناء المنزل الموعود فى قلعة الكبش. وكغيرها من إجمالى نحو 1036 أسرة، هم سكان قلعة الكبش، صدمت «عزيزة» عندما علمت أن المسؤولين انتهوا من بناء المنازل، واستبعدوهم من تسليم منازل جديدة رغم أنهم بدأوا فى تسليم الوحدات بالفعل. بأصابع نحيلة استماتت على لفة من الأوراق تثبت حقها فى وحدة سكنية جديدة، راحت عزيزة تحكى قصتها مع قلعة الكبش منذ البداية: «قلعة الكبش دى هى بلدى اللى ما اعرفش غيرها»، فمنذ دخلتها منذ 40 عاماً لم تغادرها إلا بعد الحريق. «كنت عايشة مع اتنين من أحفادى فى عشة خشب الحكومة اديتهالى، وبعد النار ما ولعت فى المنطقة ماكنتش عاوزة أطلع منها لولا العساكر شدونى بالعافية». تسكن عزيزة حالياً فى شقة فى حجرة وحمام ومطبخ بمساكن النهضة، على أمل العودة مرة أخرى لقلعة الكبش وتقول: «المحافظة بعد الحريق ماكانتش عاوزة تعترف بينا، رغم إنى كنت عايشة فى المنطقة وحاربت أنا وأحفادى لحد ما أخدنا جواب من المحافظة نستلم بيه شقة فى مساكن النهضة، رغم إنها أصغر بكتير من العشة بتاعتى لكن همه قالوا لنا إنها مؤقتة». وتؤكد مستندات عزيزة أنها من سكان القلعة الأصليين، الذين يستحقون تسلم شقة بعد انتهاء إعادة البناء، وعندما استدعاها حى السلام لتسلم شقة جديدة فى القلعة تقدمت بتلك الأوراق لكنها، فوجئت برفض المسؤولين منحها الشقة حتى الآن. تضيف: «وصلنى جواب استدعاء من حى السلام عشان يسلمونى شقة فى القلعة، ولما سألونى عن اللى عايشين معايا دلوقتى قلت لهم بنتى وعيالها، فقالوا لى إن البحث اللى عملته المحافظة مافيهوش بنتى، واتحججوا بالحكاية دى وقالوا إنهم هيعملوا بحث جديد وآدى وش الضيف». أما جمال صبرة، بائع متجول، فقد غمرته الفرحة عندما علم ببدء المحافظة تسليم شقق قلعة الكبش، بعد إعادة بنائها، حيث شعر بأن جميع أشكال المعاناة التى يتكبدها فى «النهضة» أوشكت على الانتهاء، وأهمها حسبما يروى، إنفاق ما يقرب من سبعة جنيهات يومياً كمصاريف انتقال بين النهضة والسيدة زينب، التى مازال يتردد عليها لأنها مقر «أكل عيشه»، ومعاناته فى شراء الخبز غير المدعم لأولاده الستة، ومعاناة زوجته فى ملء جرادل المياه، لتلبية احتياجات أسرتها المنزلية، خاصة أن المياه لا تصل إلى جميع الأدوار العليا فى مساكن النهضة المقيمين بها حالياً، وعندما «جاء الفرج» باستدعاء حى السلام له يدعوه للحضور ومعه الأوراق التى تثبت شخصيته، والإيصالات التى تؤكد سداده آخر فواتير المياه والكهرباء، وإيجار الشقة المقيم بها حالياً، وشهادات ميلاد أولاده الستة، لم يصدق جمال نفسه، وسارع بتقديم أوراقه كى يفاجأ بصدمة عمره على حد تعبيره حينما رفض الحى إتمام الإجراءات اللازمة لتسلمه الشقة، بحجة رفض المحافظة إعادة الأسر التى يزيد عدد أبنائها على ثلاثة أبناء إلى المنطقة، حفاظاً على التطوير الذى شهدته بعد إعادة بنائها. وتساءل جمال: «هى المحافظة بتعاقبنا على كترة الخلف، ولا عايزانا نرمى ولادنا فى الشارع عشان يدونا شقة؟! إحنا عارفين إن الكلام ده مش منطقى بالمرة وإنه مجرد حجج لحرماننا من الحصول على شقة فى المنطقة اللى قضينا فيها عمرنا وفيها أكل عيشنا». وتسبب خطأ إدارى لأحد موظفى المحافظة فى حرمان نوال ثابت، إحدى سكان المنطقة، من الحصول على شقتها، فقد كان يسكن إلى جوارها أحد المطلوبين أمنياً، الذى بادر ببيع شقته فى مدينة النهضة بعد تزوير الأوراق على سبيل الانتقام من المحافظة عندما علم أن المحافظة لن تعيد المسجلين خطر مرة أخرى لقلعة الكبش، غير أن موظفاً فى حى السلام اتهم نوال بالبيع. «غلبت أقول لهم إن الشقة اللى اتباعت كانت فى مدخل 1، وشقتى فى مدخل 4، ولا حد راضى يصدقنى». نوال تقول إنها قدمت للمسؤولين الأوراق التى تثبت أن زوجها كان من المحاربين القدامى، وأن ابنها الوحيد يعمل مهندساً فى شركة مرموقة ولا يمكنها التزوير فى أى أوراق، لكنهم طردوها من المكتب، فذهبت إلى المحافظة وطلبت منهم معاينة الشقة على الواقع، فطلبوا منها الانتظار. «من ساعتها مش عارفة أسيب البيت ولا أروح فى أى حتة لاحسن تيجى لجنة المعاينة وماتلاقينيش».