فى افتتاح مسجد القاضى، فى مدينة بنها، قال الدكتور زقزوق، وزير الأوقاف، إن خطباء المساجد لا يتلقون تعليمات من أحد، وهى عبارة أظن أن الوزير أطلقها، قاصداً من ورائها أن نفهم أنه، كوزير، أبعد الناس عن التدخل فى عمل الخطباء على منابرهم، وأنهم أحرار تماماً فيما يمكن أن يقولوه على امتداد البلد، خصوصاً يوم الجمعة طبعاً! وإذا كان عدم التدخل قراراً منه، فهذا هو القرار الذى نتمنى أن يعود عنه، وأن يراجع نفسه فيه، وأن يلغيه فى أسرع وقت ممكن.. وإذا كان هذا الوزير المستنير المحترم، يتصور أن تدخله فى عمل الخطباء تهمة، فنرجو ألا يفاجأ إذا قلنا له، إن هذه هى التهمة الوحيدة التى نتمنى من أعماق قلوبنا أن تثبت عليه، وأن يكون «متهماً» طول الوقت بها، وأن يظل هو يردد طول الوقت أيضاً تلك العبارة الشهيرة: هذه تهمة لا أنفيها، وشرف لا أدعيه! فالرجل قطعاً يعرف ماذا بالضبط يقال على منابر الجوامع، كل يوم جمعة، من الإسكندرية إلى أسوان، ويعرف قطعاً أيضاً، أنه مسؤول بحكم منصبه، عن أكبر مؤتمر يجرى تنظيمه أسبوعياً، على امتداد الجمهورية، وهو مؤتمر لا يضاهيه، من حيث عدد رواده والمترددين عليه، أى مؤتمر آخر، بما فى ذلك مؤتمرات الحزب الوطنى ذاته! ويعرف الوزير الفاضل، أن ما يقال على المنابر، فى هذا المؤتمر الضخم، 54 مرة على مدار العام، يؤخذ بتسليم، وخضوع، ودون نقاش، لأنه فى نظر الجميع «ما قاله الله.. وقاله الرسول»، فى حين أن أغلب ما يقال هناك، لا قاله الله تعالى، ولا قاله الرسول، ولا يرضى عنه الله سبحانه، ولا يرضى عنه الرسول الكريم، فضلاً بالطبع عن أن يرضى عنه أو يقرّه أى منطق، أو عقل، أو دين، أو حتى ملة!.. إننى أتردد على مساجد كثيرة، وأسمع كلاماً يقوله الخطباء، من جامع إلى آخر، يستحيل أن يكون الله فى علاه، قد أمر به الناس، أو يكون الرسول الذى كانت السماحة إحدى أهم صفاته، قد حرَّض المسلمين عليه، ومع ذلك فالخطباء، فى غالبيتهم الكاسحة، ماضون فى ترديده، وفى ملء أدمغة الملايين به، وفى إفساد العقول والقلوب معاً. نرجوك أن تتدخل يا سيادة الوزير، وأن توجه هؤلاء الخطباء، خصوصاً غير المستنيرين منهم، وهم الغالبية، إلى أن يكلموا البسطاء عما يفهمونه، ويقتنعون به، وعما هو فى صالحهم، وصالح بلدنا.. نرجوك أن تتدخل، وأن تفخر بأنك تتدخل، وأن توجه الخطباء، إلى أن يحثوا الملايين على قبول الآخر، وعلى الأمانة، وعلى الصدق، والنظافة، والإخلاص، والاتفاق، والتفوق.... و.... و.... إلى آخر هذه القيم الجميلة التى ضاعت بيننا! ما يردده أغلب الخطباء، وأنت سيد العارفين يا سيادة الوزير، يدمر أجمل ما فينا، أو بمعنى أدق، أجمل ما كان فينا، ونستحلفك أن تنقذ المتبقى من الجميل الذى كان!.. فأنت، بحكم موقعك، تستطيع.. فلا تخذلنا!