كيف يشعر الرئيس (أى رئيس) إن كان مطعوناً فى شرعيته؟ هل يشعر بالولاء لكل من زوّر إرادة الشعب، وجاء به إلى سدة الحكم على جثث الشهداء، أم تراه يقف – عاجزاً - أمام صورته فى المرآة، مجرداً من بطولاته الوهمية، عارياً من إعلامه المزيف، وميليشيا «الباسيج»، ليعترف: (لست ديكتاتوراً، أنا بالون فارغ، دمية خشبية تتحرك بأوامر «الفقيه»)؟! سقطت - إذن - أسطورة الرئيس - المغامر «محمود أحمدى نجاد»، فى أول اختبار للديمقراطية. الآن، «الرئيس» فى مواجهة «الشعب»، وبينهما (رشاشات كلاشينكوف وغازات مسيلة للدموع وهراوات).. «الطاووس» خلفه مشروع نووى يقلق العالم، وتاريخ من حرب التصريحات ضد «الشيطان الأكبر» - أمريكا.. أما العصفورة («التويتر» Twitter) فخلفها أحلام الملايين من أبناء «الطبقة الوسطى»، شباب يتطلع لحرية الرأى، وتعزيز دور المرأة، وإعلاء حقوق الإنسان. الرئيس الإيرانى «المنتخب» يملك من «المغالطة» ما يمكّنه من القول إن نتائج الانتخابات: (صفعة على وجه قوى الاستكبار التى تحكم العالم)! متناسياً كم امرأة صفعته «علناً» أمام العالم! هل ينسى نجاد «زهرة»، زوجة زعيم المعارضة «حسين موسوى»؟ لقد جردها من منصبها، كأول رئيسة جامعة فى إيران، لأنها دعت «شيرين عبادى»، الحائزة على جائزة نوبل، لإلقاء محاضرة فى الجامعة! ولم يتردد «نجاد» فى اتهامها بحيازة شهادة دكتوراة فى العلوم السياسية بطريقة غير شرعية! فهل لايزال يتحدث عن «الشرعية»؟. فى طهران المرأة «صوت المقهورين».. بقعة الضوء التى تكشف عورات «الملالى».. المرأة – الرمز فى هذا البلد - قادرة على إسقاط تابوهات الدين والسلطة معا.. فى بلد يعتبر «التظاهر» تجاوزا للخطوط الحمراء، والمطالبة بانتخابات نزيهة «مؤامرة على الإسلام»، من السهل التعرف على وضعية المرأة. إنها تلك المجبرة على ارتداء «الشادور»، المحرومة من كل الحريات، حتى الحق فى الفرح. «كلنا منافقون»، ليس مجرد عنوان لتحقيق صحفى، فى مجلة إيرانية، إنه تشخيص لواقع الناس، فى بلد يحكمه – فعلياً - المرشد الأعلى للثورة الإيرانية «على خامنئى»، وهو نموذج صارخ لرجل الدين الذى يحرك كل الدمى بسلطته الروحية.. ويضع «الإسلام» فى مواجهة «الإصلاح»! «كلنا منافقون»، فليسحب «محسن رضائى»، المرشح المحافظ لانتخابات الرئاسة الإيرانية، ليسحب شكواه ضد نتائج الانتخابات، بزعم حساسية الأوضاع الأمنية والسياسية! «كلنا منافقون»، نقف مكتوفى الأيدى أمام مجازر إيران، لأنها شأن داخلى.. أو لأن «شرطى العالم» اكتفى بإغلاق «نجاد» الملف النووى إلى الأبد! «كلنا منافقون»، تلزمنا «صفعة» لتتحرك ضمائرنا المخدرة، وقد فعلتها «ندا أغا سلطان»، حين تقطعت أوتار الكمان بين أناملها الرقيقة، وهى تقاوم الموت، فظلت مفتوحة العينين، وكأنها ترى آلتها الموسيقية عن بعد، وتسجل صورة الوطن على نغمة حزينة.. وتودعنا جميعاً! المشهد الأخير فى حياتها، أقل من دقيقة، رسالتها ل«انتفاضة التويتر» ضد حكم الملالى والإصلاحيين. «ندا» تعنى بالفارسية «النداء الإلهى»، إنه – إذن - موعد للشهادة، وصلت «ندا» إلى محطتها الأخيرة قبل أن تتقن العزف على البيانو. لها فى هذا البلد «مشروع زواج»، لم يكتمل.. فلا هى ارتدت ثوب «العروس» ولا أسرتها أعلنت الحزن ب«راية سوداء»! «الأمن» اغتال شبابها، و«الفتوى» سلبتها الحق فى صلاة الجنازة! لكن القلوب توجتها «شهيدة»، دون أن يسأل أحد عن مذهبها. شيعتها دموع العالم، فى أكبر تظاهرة جنائزية.. صوت «ندا أعلى من صوت رصاص «الباسيج»، وصورتها أبقى من «عمامة خامنئى».. ورسالتها القصيرة أبلغ من خطب «نجاد».. إنها ملهمة الثوار، وعنوان ثورة شباب إيران.. مددهم الروحى، وشعارهم: (ندا ماتت وعيناها مفتوحتان، عار علينا إذا نحن أغلقنا عيوننا).