التقرير الثانى فى أربع سنوات، والذى قدمته اللجنة البرلمانية للمخابرات والأمن لمجلس العموم ظهر الثلاثاء، خيب آمال أهالى الضحايا والناجين من إرهاب 7 يوليو 2005 فى لندن. استجوبت اللجنة المسؤولين فى المخابرات الداخلية والقسم المخصوص فى بوليس العاصمة والشهود واطلعت على أدلة، فتمخضت عن تقرير برأ ساحة جهاز المخابرات من تهمة التقصير، رغم اتضاح أن اثنين من الإرهابيين، منهما محمد صديق خان، المخطط للعدوان، كان على ملفات المشتبه فيهما، وتنصتت على مكالمتهما التليفونية، وصورت لقاءاتهما بمجموعة إرهابية أخرى قدمت للمحاكمة عام 2004. غاب عن التقرير تحديد سبب عدم مشاركة قلم المخابرات المختص بلندن فى تقديم المعلومات عن الإرهاببين مع حكمدارية بوليس مقاطعة يوركشاير (حيث أقامت المجموعة الإرهابية). بل ركز على نقص الإمكانيات الناجم عن قلة الميزانية، مما «أجبر المخابرات على إعادة ترتيب الأولويات» ونجم عنه سحب المراقبة من صديق خان. ولم يكن من المنطقى تسليم ملف المشتبه فيهما لبوليس مدينتهما، توفيرا للنفقات، مما كان سيضع المدبر تحت المراقبة؟ أم منع المخابرات ولعها بالسرية؟ وماذا عن إغفالها إثر الخطابة والنصوص الجهادية السلفية العنيفة، خاصة أن تاثيرها فى المسلمين يختلف عنه على بقية المجتمع؟ ما يهم القارئ المصرى هو الدرس الباهظ الثمن لأخطاء البريطانيين فى التعامل مع الخطر نفسه، الذى تعرضت له المحروسة منذ الثمانينيات ويمكن اقتفاء أثره إلى منبع الأصولية الإسلاموية السلفية، التى حصرت تفسير نصوص قديمة منتقاة فى الدعوة لعودة الخلافة الإسلامية كغاية تبرر وسائل أخرى منها العنف ضد من يقف فى طريقهم بتكفيره (كعبارة «خلصونا من هذا القاضى»، التى أدت لاغتيال القاضى الخازندار قبل 85 عاما، لأنه حكم بسجن إخوان، فجروا القنابل فى القاهرة) وتطور عنف هذا الفكر إلى الانتحار نفسا لإيذاء الآخرين. الخطأ الآخر هو رفض التعاون مع الأجهزة الأخرى. توأم القاعدة فى التكفير الإرهابى، أى «الطالبان»، اقتربوا جغرافيا من عاصمة باكستان وقتلوا الآلاف بسبب أخطاء مماثلة كالتساهل مع الدعوات السلفية التكفيرية بالمنطق التكاسلى «ونزعل ليه؟ ما كلنا مسلمين!»، وانتشار الفساد والرشوة، ورفض المخابرات العسكرية التنسيق مع البوليس المدنى ومخابرات دول فى مصلحتها مكافحة هذا الإرهاب، كبريطانيا (حدد تحقيق اللجنة البرلمانية باكستان كمصدر للفكر الإرهابى واستقطاب مسلمين بريطانيين للقاعدة)، وحصر استراتيجية الأمن القومى فى الماضى القريب بدلا من تطويرها لتلائم الخطر المعاصر. الأمن الباكستانى، جيشا ومخابرات، لا يزال يرى الخطر فى الهند (حيث تحشد 800 ألف جندى على حدودها) وخلافهما حول كشمير، وشب ضباط وقيادات على نظام تعليمى، سواء عام أو عسكرى، أساسه أن العدو هو الدولة المجاورة التى حاربوها يوما، فتغافلت أجهزتها عن الخطر الأكبر الذى يهدد كيان الدولة نفسه وهو إرهاب الأصوليين الإسلاميين ك»الطالبان» والقاعدة فى الداخل. الاستمرار فى الاستراتيجية الأمنية بهدف احتواء خطر عدو خارجى مجاور لمجرد أن البلاد خاضت فى الماضى حروبا ضده، هو نظرية ثبت خطؤها، سواء باغتيال بى نظير بوتو وبقية التهديدات فى باكستان، أو بالعمليات الإرهابية فى مصر( ودائما تستهدف السياحة) والقبض على خلية إرهابيى حزب الله، أو فى قنابل لندن فى 7/7؛ ومنبع الإرهاب واحد. معظم أخطار اليوم داخلية فى شكل أفكار التطرف الإسلامى الذى يهدد بتغير ثقافة المجتمع، وبتقوية جماعات تتبنى الدعوة الجهادية التكفيرية. ويجب تطوير نظرية أمنية تلائم الأخطار بقبول التعاون الأمني مع الآخرين وفق المصلحة القومية إذا التقت مع مصلحة آخرين، فشعارات الأمس غمامة تحجب العيون عن رؤية أخطار اليوم.