خطاب نتنياهو يدعو العرب للتفاوض وفق حل الدولتين من أجل إنشاء دولة فلسطينية بلا سيادة ودون القدس، عبارة عن كانتونات تسرى فى أوصالها المستوطنات ويحكمها جدار الفصل العنصرى وتمر فيها طرق مبنية على الأرض المنهوبة لايستخدمها سوى الإسرائيليين. دولة ينسى معها الفلسطينيون حق العودة ويعيشون فيها قابلين بالعنصرية وتحت رحمة الجيش الإسرائيلى. ورغم أنه لا جديد فى الموقف الإسرائيلى فإن تكراره لسنوات يحتم صياغة رد فعل يتناسب مع الاستعباط الإسرائيلى، ويقوم فى جوهره على تغيير قواعد اللعبة. فالعرب كانوا قد قدموا مبادرة تقوم على الانسحاب من كل الأراضى العربية التى احتلت فى 1967 مقابل علاقات طبيعية كاملة مع إسرائيل. والمبادرة العربية التى تقوم فى منطقها وجوهرها على حل الدولتين تمثل إنقاذا لإسرائيل فى حقيقة الأمر. فالوضع السكانى- ليس فقط فى الأرض المحتلة بل فى إسرائيل ذاتها- يمثل تهديدا حقيقيا للمشروع الصهيونى. فمعدل النمو السكانى للعرب أعلى بكثير من معدل النمو اليهودى، الأمر الذى يعنى أنه مع مرور الوقت سيتحول اليهود لأقلية فتكون تلك نهاية «يهودية» الدولة. بعبارة أخرى فإن عامل الوقت هو العدو الأول لإسرائيل، وحل الدولتين يمثل مخرجًا لحل معضلتها. لكن إسرائيل تريد أن توهم العالم أنها ستقدم تنازلا كبيرا إذا ما قبلت بحل الدولتين، ومن ثم على العرب أن يقدموا تنازلات أفدح حتى تتعطف إسرائيل وتوافق على مضض على إنشاء الدولة الفلسطينية بشروطها. ومن هنا فإن رد الفعل العربى إزاء صفاقة نتنياهو لابد- فى ظنى- أن يكون فى شكل بيان هادئ يقول باختصار إنه بما أن إسرائيل لم تستجب للعرب حين مدوا لها يدهم على مدار سبع سنوات بحل الدولتين الذى ينقذها من نفسها، فإنهم عدلوا فى الواقع عن هذا الحل. ويمضى البيان ليقول إننا نحن العرب لم نعد نريد دولة فلسطينية وفق حل الدولتين، بل سنسعى من اليوم إلى حل الدولة الواحدة. فالمطلوب أن تمنح إسرائيل حقوق المواطنة الكاملة والمساواة غير المنقوصة لليهود والمسيحيين والمسلمين الذين يعيشون على «كل» أرض فلسطين التاريخية، أى إسرائيل والأراضى المحتلة معًا. وللبيان أن يضيف أيضا بكل براءة أن ما قاله أوباما فى خطابه للعالم الإسلامى قد أقنعنا تماما. فالرجل طالب الفلسطينيين بأن يفعلوا مثلما فعل السود فى أمريكا. ونحن فى الواقع نريد أن نحقق رغبة الرئيس الأمريكى. فسود أمريكا لم يطالبوا بدولة مستقلة وإنما طالبوا بحقوق متساوية فى إطار الدولة الأمريكية. لذلك، فإننا نحن العرب سنسعى من الآن فصاعدا للشىء نفسه، أى حقوق كاملة للفلسطينيين، ونتوقع أن يأتى اليوم الذى يصل فيه للحكم فى إسرائيل فلسطينى مسيحى أو مسلم مثلما وصل باراك أوباما ذو الأصول الأفريقية إلى الحكم فى أمريكا! باختصار، إسرائيل تريد من العرب التنازل عن القضية وليس التنازل من أجل التوصل لحل القضية. ونحن لسنا مضطرين للدخول فى مناقشة حل الدولتين وفق قواعد لعبة الاستعباط الإسرائيلية. لذلك لابد من تغيير قواعد اللعبة من الأساس لا الاستغراق فى الحديث عن معنى كلام نتنياهو بالنسبة لحل الدولتين. فحل الدولتين كان تنازلا تاريخيا قدمه العرب ورفضته إسرائيل. لذلك آن الأوان لأن نسحب التنازل ونبعث لشبابنا برسالة مؤداها أن الوقت فى صالح هذه الأمة متى احتفظت بوعيها ومقاومتها لكل أشكال القهر والعنصرية والاستعباط.