رئيس جامعة بني سويف يتفقد أعمال امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكلية التجارة    وزير التعليم العالي ومحافظ القليوبية يفتتحان مشروعات تعليمية وصحية ب جامعة بنها    محمود فوزي: الحكومة أوفت بالنسب الدستورية المقررة للقطاعات ذات الأولوية في الموازنة    المشاط ترد على استفسارات النواب بشأن مشروع خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية    وزيرة البيئة: لأول مرة 600 مليون جنيه إيرادات المحميات.. وتطويرها بالتمويل الذاتي    شملت افتتاح نافورة ميدان بيرتي.. جولة ميدانية لمحافظ القاهرة لمتابعة أعمال تطوير حى السلام أول    الكونجرس يتصدى لجنون ترامب.. وتحركات لمنعه من توريط الولايات المتحدة في حرب إيران    التصعيد بين إسرائيل وإيران يُنذر بانفجار إقليمي وحرب نووية في الشرق الأوسط    السفارة الصينية في إيران تحث رعاياها على مغادرة البلاد في أسرع وقت ممكن    القنوات الناقلة لمباراة الأهلي وبالميراس في كأس العالم للأندية    التحقيقات تكشف اعترافات عامل دافع عن ابنته من التحرش بالمطرية    السجن المشدد 3 سنوات لمتهم لحيازته وتعاطيه المخدرات بالسلام    اليوم.. عزاء نجل صلاح الشرنوبي بمسجد الشرطة فى الشيخ زايد    محافظ المنوفية يفتتح وحدة الأشعة المقطعية الجديدة بمستشفى زاوية الناعورة    ننشر أسماء أوائل طلاب الشهادة الإعدادية ببنى سويف 2025    «برج العرب التكنولوجية» تفتتح ثالث فروع جامعة الطفل بالشراكة مع نادي سموحة (صورة)    الدفاع الروسية تعلن إسقاط 198 طائرة مسيرة أوكرانية    الحكومة تتقدم بقانون جديد للإيجار القديم.. الإخلاء بعد 7سنوات بدلا من 5.. ألف جنيه زيادة فى الأجرة للأماكن الراقيه و250 للاقتصادية و15% زيادة سنويا.. وغلق الوحدة لمدة عام أو امتلاك أخرى يُجيز الإخلاء الفوري    جدول مباريات اليوم: مواجهات نارية في كأس العالم للأندية ومنافسات حاسمة في الكونكاكاف    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    اتحاد الكرة يبحث عن وديتين قويتين لمنتخب مصر قبل أمم أفريقيا    ارتفاع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    محافظ المنوفية والسفيرة نبيلة مكرم يتفقدان قافلة ايد واحدة.. مباشر    مصرع 3 عمال زراعيين وإصابة 15 في حادث على الطريق الصحراوي بالبحيرة    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    تأييد عقوبة السجن المؤبد ل قاتل «عامل بني مزار» في المنيا    محافظ المنيا: استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 509آلاف طن منذ بدء موسم 2025    من مؤتمر نسائي إلى أجواء حرب.. إلهام شاهين تحكي لحظات الرعب في رحلة العراق    فيلم سيكو سيكو يحقق 186 مليون جنيه في 11 أسبوعا    بينها «شمس الزناتي».. أول تعليق من عادل إمام على إعادة تقديم أفلامه    برفقة صديقها.. نور عمرو دياب تدعم شيرين رضا في العرض الخاص ل «في عز الضهر»    محافظ أسيوط يستقبل سفير الهند بمصر لبحث سبل التعاون المشترك    إقبال كبير على عروض مسرح الطفل المجانية    هشام ماجد يسترجع ذكريات المقالب.. وعلاقته ب أحمد فهمي ومعتز التوني    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    الجامع الأزهر: حب الوطن غريزة متأصلة والدفاع عن قضايا الأمة يجسد منهج النبوة    رئيس جامعة الدلتا التكنولوجية يتابع اختبارات الدراسات العليا ويشيد بسير العملية الإمتحانية    نصائح لطلاب الثانوية العامة لحماية انفسهم من التعرض للإجهاد الحراري    رئيس جامعة المنوفية يستقبل فريق تقييم الاعتماد المؤسسي للمستشفيات الجامعية    طريقة عمل البيتزا بعحينة هشة وطرية وسهلة التحضير    ترامب: دعوت لإخلاء طهران حفاظا على سلامة مواطنيها    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 17-6-2025 في محافظة قنا    تنسيق الجامعات.. برنامج هندسة الاتصالات والمعلومات بجامعة حلوان    جامعة قناة السويس: تأهيل طبيب المستقبل يبدأ من الفهم الإنساني والتاريخي للمهنة    تعليمات مشددة بلجان الدقي لمنع الغش قبل بدء امتحان اللغة الأجنبية الثانية للثانوية العامة    "فقرات استشفائية".. الأهلي يواصل تدريباته استعداداته لمواجهة بالميراس    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    تغييران منتظران في تشكيل الأهلي أمام بالميراس    التصعيد مستمر.. إيران تضرب «حيفا» بموجة صواريخ جديدة    «غاضب ولا يبتسم».. أول ظهور ل تريزيجيه بعد عقوبة الأهلي القاسية (صور)    وزير الدفاع الأمريكي يوجه البنتاجون بنشر قدرات إضافية في الشرق الأوسط    بعد تصريحات نتنياهو.. هل يتم استهداف خامنئي الليلة؟ (مصادر تجيب)    «لازم تتحرك وتغير نبرة صوتك».. سيد عبدالحفيظ ينتقد ريبيرو بتصريحات قوية    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    مصرع شاب غرقا فى مياه البحر المتوسط بكفر الشيخ وإنقاذ اثنين آخرين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نتنياهو... وماء البحر
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 06 - 2009

تسهل الإشارة للجوانب السلبية فى خطاب نتنياهو الذى طرح فيه رؤيته للسلام بين العرب وإسرائيل. فهو يشترط قبوله لدولة فلسطينية بإقرار العرب «لحق اليهود فى أرض فلسطين»، ونزع سلاح الدولة الفلسطينية الجديدة وحرمانها من تكوين جيش أو السيطرة على مجالها الجوى أو إبرام تحالفات عسكرية، وإخضاعها لنظام مراقبة يحول دون دخول السلاح لها. كما يشترط تنازل الفلسطينيين عن حق اللاجئين فى العودة لأراضيهم التى أصبحت داخل دولة إسرائيل، والتنازل عن القدس بالكامل. ولا يذكر نتنياهو شيئا عن حدود هذه الدولة أو عن إزالة المستوطنات التى تقطع أوصالها، أو عن حقوق الفلسطينيين بصفة عامة. كذلك لا يذكر شيئا عن الانسحاب من الجولان السورى. من ناحية أخرى، يركز نتنياهو على الأشياء التى يفضلها: التطبيع مع العالم العربى، وآفاق التعاون الاقتصادى مع دول الخليج، و«السلام الاقتصادى» مع الفلسطينيين. ولسبب ما اختار نتنياهو إقامة مشروعات تحلية مياه البحر ليضعها فى مقدمة مزايا هذا السلام الاقتصادى. ونهاية يعود نتنياهو إلى نغمة الرئيس الأمريكى السابق بوش فى الحديث عن الأخيار والأشرار فى المنطقة: الخطر الإيرانى، العرب المتطرفة والعرب المعتدلة، وضرورة محاربة حماس الإرهابية، إلخ.
وقد سارع الفلسطينيون برفض الخطاب وما حواه، فوصفته الرئاسة الفلسطينية بأنه ينسف جهود السلام، فى حين وصفته حماس بأنه عنصرى. وانضم الإسرائيليون لهذا الرفض، فوصفه عكيفا الدار أحد كبار المحللين الإسرائيليين بجريدة هاآرتس بأنه «خطاب استعلائى واستعمارى» يخلو من أى تعاطف ويبخس الفلسطينيين حقوقهم ويدفع بالعالم العربى والإسلامى بعيدا عن التصالح مع إسرائيل.
كل هذا صحيح، ولكنه ليس مهما. الكلام المهم، فى تقديرى، هو أثر ما قاله نتنياهو على اللعبة السياسية فى الشرق الأوسط، ومواقف الأطراف الرئيسية الثلاث: العرب، والحكومة الأمريكية، واليمين الحاكم فى إسرائيل.
فأولا، نجح نتنياهو بقبوله لمبدأ الدولة الفلسطينية فى الإطاحة بأحد أهم مصادر الضغط الدولى المتوقع على إسرائيل. الضغط على نتنياهو لقبول حل الدولتين كانت نقطة الضعف الرئيسية للتحالف الحاكم فى إسرائيل، فهى النقطة التى يستطيع فيها الساسة الأوروبيون والأمريكيون ممارسة الضغط على إسرائيل دون أن يتعرضوا لانتقادات داخلية من المتعاطفين مع إسرائيل. بقبول نتنياهو للمبدأ، انتفى هذا الخطر. من ناحية أخرى، قبل نتنياهو بمبدأ تجميد الاستيطان (مع استثناء «النمو الطبيعى» للمستوطنين)، بما يصعب على أوباما وغيره الضغط عليه فى هذه النقطة أيضا. إذ إن حجة النمو الطبيعى تبدو إنسانية؛ فمن يستطيع منع اليهود الشباب من الزواج والإنجاب؟.. وهل كونهم مستوطنين يحرمهم من هذا الحق؟ هذه هى بعض الحجج التى سنسمعها فى الأسابيع المقبلة، وسيغرق اليمين الإسرائيلى أمريكا والعالم فى تفصيلات غير مفهومة للعامة، كالفارق بين النقاط الاستيطانية العشوائية والقانونية، وحدود المستوطنات القائمة وتلك الداخلة فى التخطيط العمرانى، والفارق بين البناء الذى يتم وفقا لعطاءات رست على شركات وبين العطاءات الجديدة. ويمكن للحكومة اليمينية فى إسرائيل إضاعة الموضوع الأصلى فى هذه التفاصيل وتخفيف حدة الضغط من جانب واشنطن فى هذا المجال.
ثانيا، ينقل نتنياهو الكرة إلى الملعب العربى. فالمطلوب الآن هو اعترافنا بأن فلسطين لم تكن للفلسطينيين وإنما للشعب اليهودى. أى أن نقبل فى آن واحد بالفكرة الصهيونية وبأن الشعب الفلسطينى زائر فى هذه الأرض، ونعفى إسرائيل من مسئوليتها عن مأساة الشعب الفلسطينى ونلحق الضرر بحقوق العرب داخل إسرائيل نتنازل فوق البيعة عن حقوق اللاجئين. المأساوى فى الأمر أن إدارة أوباما قبلت بمبدأ يهودية إسرائيل، وهو ماقاله أوباما شخصيا فى خطابه بجامعة القاهرة، وكرره بعدها مبعوثه ميتشل. وستجد من الأوروبيين من يتبعهم، ويصبح أمام العرب اختياران: إما قبول هذا الشرط التعجيزى، وهو مالا أتصوره، أو رفضه وتحمل مسئولية تعثر التسوية السلمية، فينتقل الضغط الدولى علينا نحن ويخرج اليمين الإسرائيلى منتصرا.
أما الأثر الثالث للخطاب، وربما يكون العنصر الوحيد الإيجابى، فهو سحب اليمين الإسرائيلى الأكثر تطرفا إلى الإقرار بأن الفلسطينيين شعب له الحق فى الحرية والحق فى إقامة دولة والعيش كجار لإسرائيل وليس تحت احتلالها. سحب اليمين إلى ذلك هو ثورة بكل المعايير، حتى وإن لم يلحظ اليمين نفسه هذا الأمر بعد. فهؤلاء هم آخر المعارضين لوجود شعب فلسطينى، وحتى وإن كان نتنياهو قد غلف الأمر فى عباءة توراتية، وصور الفلسطينيين على أنهم «يعيشون فى قلب أرض إسرائيل» فإن الخلاصة هى أنهم موجودون وأنهم شعب له الحق فى الحرية ويجب على الإسرائيليين احترام ذلك. هذا الأمر ينهى الجدل فى إسرائيل حول أرض إسرائيل الكبرى. هذا الإعلان، حتى وإن غلف بالاستعلاء وبالكراهية وبالعنصرية مثلما تقول حماس، هو إعلان نهاية إمكانية تحقيق حلم إسرائيل الكبرى على أرض الواقع. وللتقريب، تخيل لو أن قيادات الجماعات الإسلامية الأكثر تشددا قالت إن الإسرائيليين يعيشون فوق أرض وقف إسلامى لا حق لهم فيها، ولكنهم فى نهاية الأمر شعب يستحق الحرية والاستقلال! هذا هو المقابل لما قاله نتنياهو، ومن المهم متابعة ردود فعل أقطاب اليمين فى إسرائيل على هذه النقطة فى الفترة المقبلة.
باختصار، فإن الساحر السياسى قد عاد إلى العمل. وهو فعلا يريد تحلية مياه البحر، أو إيهامنا بأن ماء البحر حلو ودفعنا لشربه، أو المخاطرة بالموت عطشا. وليست هذه سوى بداية أعماله السحرية، فمازال ملف الأمن لم يفتح بعد، ولم تنطلق صواريخ غزة بعد، ولم يفتعل معركة مع حماس أو مع إيران بعد، ولم يفتح ملف الجندى المخطوف بعد. مازال فى جعبته الكثير.
من ناحيتنا، علينا ألا نرفض تماما ولا نقبل تماما، وإنما أن نجرجر اليمين الإسرائيلى نحو الانغماس أكثر فى فكرة الدولة الفلسطينية، والدفع نحو المزيد من التنازلات حتى وإن كنا سنرفضها فى النهاية، مع الإصرار على الوقف الكامل لأعمال البناء فى المستوطنات دون تفاصيل، وعلى أن رؤيتنا للتسوية تقوم على قبول إسرائيل لمسئوليتها التاريخية عن مأساة الفلسطينيين مع التركيز على النظر للمستقبل، وأن قبولنا لدولة إسرائيل تقوم على مبدأ ديمقراطية هذه الدولة وتساوى الحقوق بين سكانها العرب واليهود. وطبعا لن يؤدى أى من هذا لتسوية بيننا وبين إسرائيل طالما ظل نتنياهو فى الحكم، لكننا نثبت حقوقنا، وننتزع تنازلات، ونرد السحر على الساحر، حتى يرحل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.