■ سمعنا فى كثير من وسائل الإعلام عن وباء الأنفلونزا الذى أصاب الكرة الأرضية عامى 1918 – 1919، والذى راح ضحيته ما يقرب من 40 مليون شخص على مستوى العالم، وكان الفيروس المسبب له هو فيروس «H1N1»، ما أوجه التشابه والاختلاف بين هذا الوباء، والوباء الحالى؟ د. محمد برج - الرياض. -كانت هناك ثلاثة أوبئة للأنفلونزا خلال القرن الماضى، كان أشدها وأكثرها ضحايا ذلك الوباء الذى بدأ فى ربيع عام 1918 وامتد من خلال ثلاث موجات حتى ربيع 1919، وانتشر ما بين قارات آسيا، أوروبا، أمريكا الشمالية، وحصد ما بين 40 – 50 مليون شخص، وكان الفيروس المسبب للوباء من نوع «H1N1» ولكنه من ناحية التكوين الجينى مختلف تماما عن فيروس «H1N1» الحالى المسبب لما عرف بأنفلونزا الخنازير، وبدأت الموجة الأولى من وباء الأنفلونزا فى ربيع عام 1918وكانت تتميز بالانتشار السريع من حيث سرعة انتقال العدوى، إلا أن المضاعفات ونسبة الوفيات لم تكن كبيرة، وكان الفيروس متوسط الضراوة ولكنه سريع الانتشار مثلما هو حادث الآن مع فيروس أنفلونزا الخنازير «H1N1» المنتشر حالياً، وظل الحال هكذا حتى أتى خريف 1918، حيث حدث تحور فى الفيروس وأصبح شديد الضراوة، وبدأ يحصد الملايين من الوفيات آنذاك، وكانت مضاعفات الأنفلونزا من العدوى البكتيرية والالتهاب الرئوى هى السبب فى حدوث معظم هذه الوفيات، حيث لم يكن العلم آنذاك قد توصل إلى اكتشاف المضادات الحيوية، حيث اكتشف أولها (البنسلين) فى نهاية الثلاثينيات بواسطة «ألكساندر فلمنج»، ولم يكن هناك بالطبع أى من مضادات الفيروسات التى تتصدى لفيروس الأنفلونزا، والتى نعرف منها الآن أربعة: اثنان منها الفيروس الحالى حساس لهما وهما «تاميفلو» وكذلك «ريلينزا» أما الاثنان الآخران: أمانتادين وريمانتادين، ففيروس أنفلونزا الخنازير غير حساس لهما عى الإطلاق. كانت الأعراض أثناء الموجة الثانية فى الخريف أثناء وباء 1918 وبعد تحور الفيروس تختلف عن أعراض الأنفلونزا المعروفة، حتى إن الأطباء كانوا يخطئون فى تشخيصها على أنها كوليرا، أو حمى الدنج، أو التيفود، حيث كانت الأعراض المعوية والإسهال الحاد والمغص مع الحرارة هى الغالبة، إلا أنه كانت هناك بعض الحالات متوسطة الضراوة تشبه أعراضها أعراض الأنفلونزا العادية، وكان ارتفاع الحرارة لديهم يستمر من 3 – 5 أيام، ويمكن للمريض بعدها أن يشفى تماماً . هناك أيضا ملاحظة فى وباء 1918 – 1919، وهى أن معظم ما أحدثه من وفيات كان من الشباب وصغار السن من الأصحاء ما بين سن 15 – 35 عاماً، وأن 99% من الوفيات التى حدثت بسببه كانت فى الفئة العمرية أقل من سن 65 عاما. واستطاع العلماء من خلال تحليل أنسجة رئة محفوظة كانت مدفونة فى الجليد منذ عام 1918 أن يعزلوا الفيروس، ويتبينوا تكوينه الجينى، وتبين أنه قريب الشبه بفيروس «H5N1» شديد الشراسة، والمسبب لأنفلونزا الطيور فى حال ما إذا تحور وتمكن من نقل العدوى من إنسان إلى آخر. ويبقى السؤال: هل يمكن أن يتكرر ما حدث عام 1918 من وفيات وخسائر مع الوباء الحالى؟ والإجابة أن ذلك صعب أن يحدث فى الدول المتقدمة فى مجال الرعاية الصحية، والتى تملك الإمكانات الاقتصادية والطبية والتشخيصية والوقائية والعلاجية والتعليمية لمواجهة مثل هذا الوباء، ولكن هذا السيناريو يمكن تكراره فى الدول الأفريقية المتخلفة، والأخرى الفقيرة التى لا تملك الحد الأدنى من تلك الإمكانات، وبها كثافة سكانية وأمية ثقافية وصحية فى حالة حدوث تحور للفيروس لا قدر الله. [email protected]