الكمبوشة لو تذكر: زمان.. كانت هيبة الوقوف على خشبة مسرح تلخم الممثل أحياناً، فينسى أجزاء من حواره المسرحى، فاخترعوا موظفاً قابعاً فى غرفة على مقاسه فى مقدمة الخشبة، مهمته الوحيدة تذكير كل ممثل بنص حواره لكى لا يرتجل أو يخرج عن النص الأصلى. الغرفة هى الكمبوشة، وموظف الكمبوشة هذه الأيام يذكرنى بالصحفى: «شغلته على المدفع برلم». كل طلعة شمس يستيقظ ليراجع نصاً ثابتاً سيمليه على ممثلين ثابتين يؤدون أدواراً ليست فى الواقع أدوارهم: الشريف على الخشبة قد يكون لصاً فى حياته، ورجل الدين ربما يلغ فى فسقه وفجوره، والمعلم الفاضل زعيم عصابة.. أما الصحفى ف«بغبغان»، وأما الجمهور فأحد متهمين: مغفل أو متواطئ. كلما وقفت أمام فرشة جرائد أعذر المواطن وأشعر بفداحة الجريمة: كل جريدة ترى مصر من شراعة ضيقة: صحف صفوت الشريف تراها قوة عظمى، وصحف الأحزاب تراها كعكة، والصحف الخاصة تراها فوضى خلاقة، أما صحف لجنة السياسات فتراها مقعداً بأربع رجول، واحدة فى مارينا والثانية فى حلايب والثالثة فى شرم الشيخ والرابعة فى شارع العروبة. فأعذر المواطن وأستدير إلى مطبخ المهنة فأقول هازئاً: فاقد الشىء لا يعطيه، نحن كصحفيين نخوض حرباً أهلية طاحنة، لا فرق فيها بين ليبرالى وشيوعى، أو بين وطنى وإخوان. نخوض حرب تصفية، المستفيد الوحيد فيها نخبة الحكم، والخاسر الوحيد هو المواطن، ونحن نعرف، ومستمرون، لأننا فى الحقيقة أصبحنا بلا وظيفة أخرى. نحن نعرف أننا لن نغير شيئاً ولن نخيف أحداً، ونعرف أن المواطن يعرف أننا نكذب عليه، وأن الكذب سلعتنا و«أكل عيشنا»، وأننا أقل حتى من أن نكون فى خندق النظام، وأكثر من أن نكون فى خندق المواطن.. نحن باختصار موظفو كمبوشة. ■ ■ ■ التطبيع مع إسرائيل: الطبع من الأساس يغلب التطبيع. أنت لا تستطيع ولا يحق لك أن تزايد على «وطنية» مصرى فى هذا الموضوع، حتى إذا كان عامل نظافة. وكراهية إسرائيل أهم مقومات هذه الوطنية، حتى إذا كان شعبان عبدالرحيم ابتذلها. كراهية إسرائيل أمن قومى، وبصورة مطلقة ونهائية، ولا تقبل نقاشاً أو تجزيئاً. أما قضية التطبيع فتكتنفها ملابسات كثيرة، وتثير من الأسئلة فى كل مرة، أكثر مما تطرح من إجابات. إذا كان الغرب الذى نتطلع إليه ونسعى إلى أن نكون جزءًا من فعالياته السياسية والاقتصادية والعلمية اعترف بإسرائيل وخصّها بمقعد فى هذه الفعاليات، فما موقفنا نحن؟ هل يجوز لأستاذ جامعى مصرى أو عربى أن يترك مؤتمراً علمياً مهماً لمجرد أن إسرائيلياً يجلس على المقعد المجاور؟ ألا تحتاج نقاباتنا المهنية إلى مراجعة موقفها من موضوع التطبيع، بدلاً من كل هذه الجعجعة؟. أنا أعرف أن عمرو دياب مثلاً سيكون مطبعاً إذا غنى بمحض إرادته فى تل أبيب، أما أن تبث إذاعة أو فضائية إسرائيلية إحدى أغنياته، فهذا لا يسمى تطبيعاً، وإلا ف«أم كلثوم» أول المطبعين، لأن إذاعة إسرائيلية كانت تبث إحدى أغنياتها فى السادسة من مساء كل يوم، ومتى؟.. فى الستينيات! نحن لم نعد فى حالة حرب مع إسرائيل، ومع ذلك ستظل العدو الأكبر إلى أن تذهب فى «ستين داهية»، لكن المشكلة أنها لم تعد مجرد أمر واقع.. بل نحن الذين أصبحنا «ولا حاجة»، وبما أننا «ولا حاجة»، وليس لدينا أدوات لنسترد الحد الأدنى من حقوقنا فى بلدنا، فلماذا لا نزاحمها ونضيّق الخناق عليها و«نقرفها»، ولدينا والحمد لله «سبعتلاف سنة حضارة»؟!. إما هذا أو إعلان الحرب عليها من على سلم نقابة الصحفيين.