أكد أطباء مناعة وفيروسات، أن أجساد المصريين ليست «محصنة» ضد فيروس H1 N1، الشهير ب «أنفلونزا الخنازير»، وأن الطبيعة البيئية لدينا تجعل الشعب أكثر قدرة على التعايش مع البكتيريا والفطريات، دون الفيروس الجديد، الذى لم يتم اكتشاف سبل مواجهته حتى الآن، مشددين على أن المناعة تجاه هذا المرض، تختلف من شخص إلى آخر، وأن ارتفاع درجات الحرارة، يمكنه تقليل معدلات الإصابة بالمرض، ولفتوا إلى أنه فى حالة تحور المرض، فلن يمكن التنبؤ بتأثيره مستقبلاً. الاعتقاد الشائع عن المصريين أنهم «محصنون» ضد الأمراض، فكما يقال معدتهم تهضم الزلط ولا يؤثر فيهم المرض. وارتبطت هذه الأقاويل بقدرة تعايش الشعب المصرى مع الملوثات بمختلف أنواعها بدءًا من عوادم السيارات ومركبات الرصاص والحديد وحتى المبيدات المسرطنة فى الأطعمة، وتلوث المياه بالصرف الصحى. لكن أطباء المناعة والفيروسات يختلفون مع هذا الاعتقاد، إذ أكدوا أن مناعة الشعب المصرى ليست محصنة ضد الفيروس الجديد H1 N1 لأنه لم يتم اكتشاف سبل لمواجهته حتى الآن، فضلاً أن عن الفيروسات بطبيعتها قابلة للتحور ضد مناعة الجسم، حتى وإن كانت الطبيعة البيئية لدينا تجعل الشعب أكثر قدرة على التعايش ولكن مع البكتيريا والفطريات مقارنة بالدول الأخرى. وقال الدكتور محمد أحمد على، أستاذ الفيروسات ورئيس الفريق البحثى لمصل أنفلونزا الطيور بالمركز القومى للبحوث، «إن فيروس H1 N1 لايزال جديدًا وبالتالى لا يمكن الجزم بارتفاع مناعة المصريين تجاهه، خاصة أن المناعة ضد الفيروسات بشكل عام متفاوتة بين البشر». وأضاف: أن تأخر وصول الفيروس لدينا لا يعنى أن مناعتنا قوية، وإنما الأمر مرتبط بتأخر معدل الانتشار. مشيرًا إلى أن ظهور 11 حالة متفرقة فى أسبوع، لا يعد مؤشرًا سهلاً. وعن اختلاف درجات الحرارة وتأثيرها على انتشار الفيروس فى مصر والدول النامية، أشار إلى أن اختلاف الحرارة يؤثر بالفعل على معدل انتشار الفيروس، لكنه لا يرتبط بمناعة الأفراد، موضحًا أن ارتفاع درجات الحرارة فى مصر، مقارنة بأوروبا مثلاً، يمكنه أن يقلل انتشار الفيروس الذى ينمو فى بيئة درجة حرارتها منخفضة. وقال الدكتور عبدالرحمن ذكرى، أستاذ الفيروسات والمناعة بالمعهد القومى للأورام: «إن الفيروس جديد يستهدف فئات عمرية مختلفة، ويصيب شرائح مختلفة من الناس مرضى وأصحاء، فلا يمكن قياس قوة المناعة بالتساوى بينهم»، مؤكدًا أن أجسام المصريين لا يمكنها أن تقاوم الفيروس بنفس الطريقة، فمناعة مريض السرطان أو القلب أو الأمراض المزمنة ضعيفة مقارنة بمناعة الأصحاء، وكذلك الأمر بالنسبة لضعف مناعة الأطفال مقارنة بالكبار. واعتبر ذكرى أنفلونزا H1 N1 ليست فاجعة عالمية، وقال: إنه لا تزال حالات الإصابة أو الوفاة بهذا الفيروس لا تتعدى الواحد فى 100 ألف، فهى لا تقارن بوفيات حوادث السيارات فى العالم، ولا بمعدلات الوفيات من الأنفلونزا العادية. وأشار إلى أن المشكلة لا تكمن فى الفيروس وإنما فى مدى احتمالية تحوره من عدمه، خلال الفترة المقبلة، موضحًا أن التعامل مع الفيروس وفقًا لطبيعته الحالية لا يمثل أى خطورة، فهو فيروس واسع الانتشار، لكنه ضعيف التأثير، أما إذا تعرض للتحور فلا يمكننا التنبؤ بتأثيره مستقبلاً. وقال أستاذ المناعة: إن تأثير تعرض المصريين للتلوث أمر لا يمكن تعميمه على الشعب المصرى بأكمله، موضحًا أن الأمر يرتبط بكمية ومعدل التعرض للمكونات الملوثة، فالخوف ليس فى كمية «المُلوث» وإنما معدل التعرض على المدى الطويل، خاصة أن معايشة التلوث يقلل من مناعة الجسم وقدرته على المقاومة. من جانبه، أكد الدكتور كمال موريس حنا، أستاذ المناعة بطب القاهرة، أن حلول فصل الصيف من شأنه أن يعمل على انحسار الفيروس فى مصر، خاصة أن تركيبة الفيروسات تحتاج درجة حرارة منخفضة للنمو والتعايش. وأضاف «إن المصريين ربما تكون لديهم مناعة ضد بعض الميكروبات والبكتيريا، إلا أن الأمر يختلف عند التعرض لفيروس جديد مثل أنفلونزا الخنازير، خاصة أن جهاز المناعة «مسألة شخصية» يختلف حتى بين أفراد الأسرة الواحدة وتقل المناعة عند الأطفال والأفراد فوق 65 سنة. ودعا علاء السيد عيد، مدير عام الشؤون الوقائية بمديرية الشؤون الصحية بحلوان، إلى تناول المصريين الذين يصابون بالأنفلونزا العادية «طعم الأنفلونزا الموسمية» المتوافر بمكاتب وزارة الصحة فى كل مكان، وقال: «إن هذا الطعم يقلل بشكل جيد من تأثير فيروس H1 N1، إذ أن فيروس الأنفلونزا الموسمية يعد واحدًا من المكونات الثلاثة ل«الفيروس» الذى نتج عن تشابك كل من فيروسات الأنفلونزا الموسمية والطيور والخنازير. وقال عيد: «إن إمكانية تحور فيروس H1 N1 تتمثل فى حدوث أى تغيير فى التركيب البروتينى الخارجى للفيروس، مضيفًا أن H هو البروتين المسؤول عن الالتقاء بخلية الإنسان فى حين أن N مسؤول عن تكوين فيروسات جديدة داخل الخلية، وأن أى تغير يحدث فى الجينات نفسها سيؤدى إلى التحور، خاصة أن طبيعة الفيروسات متحورة. وأكد أن نسبة المرضى بالفيروس عالية، لكنها قليلة من حيث إحداث الوفاة، إذ أن حالات الوفاة لم تصل إلى 1٪، موضحًا أن الفيروس هو نفسه فيروس الأنفلونزا الذى أصاب العالم عام 1919، وأن فيروسات الأنفلونزا تنحسر فى ثلاثة أنواعها: B وN يصيبان الإنسان، وC يصيب الخنازير والذى يتحور ليصيب الإنسان. وشدد على ضرورة التركيز على السلامة الوقائية والصحة العامة من خلال غسل الأيدى والبُعد عن الأماكن المزدحمة، وتغيير السلوكيات المصرية بضرورة البصق أو العطس فى مناديل بدلاً من الشوارع.