إذا كنت تخاف أن تلقى مصير صديقنا أمجد، فأرجوك، عندما تسمع تعبير «الشك القاتل» لا تأخذ الأمر باستخفاف، وتذكَّر أن الشك يمكن أن يكون قاتلًا فعلًا. لا أدرى فى أى كتاب تراث قرأت أن الشيطان يداهم كل إنسان من أضعف نقطة لديه، إما من حبه للمال أو خوفه على العيال أو نهمه للأكل أو من ترييله على النساء، وإذا صح هذا الكلام فيبدو أن الشيطان قد داهم أمجد من أضعف نقطة سفلية لديه، من عيب نفسى خطير رافقه منذ طفولته الأولى. كان أمجد منذ نعومة أظافرنا يعيش رعبًا حقيقيًا من انكشاف مؤخرته ولو من أجل التطعيم، أبوه كان يأتى إلى الوحدة الصحية ليعطيه الحقنة بنفسه، لم يكن يوافق أبدًا على أن ينزل معنا إلى البحر، كنا نفسر خوفه من البحر بأنه عاش معنا تجربة غرق صديق لنا أمام أعيننا ونحن فى العاشرة، ومع أننا نسينا تلك الذكرى المريرة- كما هى حال الإنسان- فإننا كنا نكبر فيه وفاءه لذكرى صديقنا، إلى أن جاء اليوم الذى خنقنا فيه ذلك الوفاء فقررنا أن ننزله البحر غصبًا عنه، ففرّج علينا خلق الله فى شاطئ الأنفوشى وهو يصرخ بلوعة أرملة حرموها من الميراث: «لأ.. مش عايز حد يشوفها عريانة.. لو حصل هاموت.. حرام عليكو»، لنكتشف أن أمجد كان قد نسى اسم صديقنا الغرقان أساسًا، وأنه كان يخاف على شىء آخر لم نحسب له حسابًا، لأنه لم يكن- بحمد الله- داخلًا فى مجال اهتمامنا على الإطلاق. بعد أن خرج أمجد معنا إلى البر آمنًا مستورًا، اتضح على شيزلونج القهوة أن عُقدته بدأت على يد أمه رحمها الله، والتى منذ أن بلغ الثالثة من عمره ووجب نزوله للعب فى الشارع «عشان يبقى راجل»، كانت تختلى به على باب الشقة وتحذره من أن يضحك عليه أحد ويستدرجه لكى يريه القطر ويسلبه أعز ما يملك، مع أن أباه كان يملك شقة مقفولة فى العامرية، جعلت صديقنا محمود، الشهير ب»كباكة»، يعلن استعداده للذهاب طوعًا لرؤية القطر مع أى حد، لو ساب له شقة زى اللى سابها أبو أمجد لابنه. مرت الأيام وكبر أمجد، لكن تحذير أمه ظل يتضخم فى لاوعيه ليعيش عبدًا له، فى حياته لم يقض حاجته فى حمام عام، لم يغيّر ملابسه فى بروفة محل، لم يتعرض لعملية جراحية أبدًا، لم «يبات» ولو مرة خارج بيته، خوفًا من وجود كاميرات سرية تصور مؤخرته عارية، أبدًا لم يعمل بالسياسة أو يعلن رأيه فيها، ليس خوفًا من الاعتقال أو التنكيل بل من أن يقف يومًا ما عاريًا أمام أحد، سواء كان جلادًا أو زميلًا له أو حتى لجنة تحقيق دولية. ظل هوس أمجد قابلًا للسيطرة، إلى أن انتشر مؤخرًا فى البلاد نبأ الدكتور الشهير الذى دس كاميرا خفية لمريضات عيادته وقام بتصويرهن عاريات خلال الكشف، ثم ساومهن بعد ذلك بصورهن ليجبرهن على ممارسة الجنس، ومن يومها وأمجد يعيش أسود أيام حياته، ليس لأن زوجته والعياذ بالله كشفت عند ذلك الدكتور اللعين، فأمجد ليس متزوجًا، لأنه خاض تجربة طلاق مريرة لأن عروسته قالت له على سبيل المدح إنها أحبت تكشُّف خلفيته وهو نائم. كل الحكاية أن أمجد كان قد ذهب إلى أمهر أطباء البلاد طلبًا للتداوى من داء ألمَّ بغدة البروستاتا لديه بسبب تراكم كتمه لرغباته المشروعة، ورغم أنه خف على يد الطبيب فإنه من ساعة ذيوع خبر طبيب الكاميرات يعيش مرعوبًا أن يكون داء تصوير المرضى قد أصاب طبيبه، فيجد ذات يوم نفسه عارى المؤخرة على ال»يوتيوب» والبشرية كلها تشاهده، بعضنا حاول أن يقنعه بأن سمعة الدكتور لا تشوبها شائبة، وبعضنا ركز على أن مرضى ال»يوتيوب» لن يفرق حضرته معهم ببصلة، وهو أظهر لنا أنه مقتنع، حتى ظننا أنه نسى الأمر، إلى أن صحونا على خبر حزين فجعنا بأن أمجد سقط من الدور الثامن وهو يحاول التسلل من بلكونة شقة اقتحمها عنوة، لأنها تجاور بلكونة عيادة الدكتور لسبب غامض لم يعلمه أحد غيرنا طبعًا. الذين رافقوا لحظاته الأخيرة أقسموا لنا أنه فارق الحياة وعلى وجهه ابتسامة رضا، نحن فقط فسرناها بأنه مات دون أن يشاهد مؤخرته أحد. طبعًا المغسل غير محسوب، لأن المرحوم أمجد لم يكن حيًا وقت الغُسل. * يستقبل الكاتب بلال فضل تعليقاتكم على مقالاته عبر بريده الإلكترونى الخاص. [email protected]