دعوة إلى حكامنا

عقب أزمة صحية أحمد الله كثيرًا على تجاوزها تلت ذهابى إلى الحرم المكى وفى ظل أحداث مرت بمصرنا الغالية وجدت نفسى أتأمل روحانية التواجد بالكعبة المشرفة.
فالنظر للكعبة يسمو بالنفس، فتنسى من أنت وتنسى العالم الخارجى بمشاكله السياسية وضائقاته الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية ولا تتذكر إلا أننا ضيوف فى هذه الدنيا قد نتركها فى أى وقت، فلماذا نتناحر ونختلف.
جلست أتأمل الكعبة فالتفت فإذا بسيدة طاعنة بالعمر تنظر إلىّ بإمعان فابتسمت لها ففوجئت بها تملأ يديها بماء زمزم وتمسح به على رأسى وكتفى فشكرتها وسألتها عن جنسيتها فعرفت أنها من حلب، وتحب مصر كثيرًا وحين ودعتنى انحنت وقبَّلت رأسى بكل حب قمت وقبلتها أيضا، تصرفها التلقائى أبكانى كثيرًا، فالشعوب على المستوى الإنسانى متألفة فلماذا الحكومات متفرقة؟!
جلست بجوارى مصرية متوسطة الحال تبتهل إلى الله فعلمت منها أن لها أربعة أبناء جامعيين يعانون البطالة، فانفطر قلبى ولكننى ضحكت للمفارقة أن اثنين منهم خاطبان، فقلت هذه هى الخلطة المصرية العجيبة التى تجعل شعبنا قادرًا على الصمود فى كل الظروف!
بعد كل صلاة مكتوبة تقام الصلاة على الأموات فمنهم الكبار والأطفال وتسمع روايات عن عائلات بأكملها توفيت فى حادث على الطريق وحكاية مصرى فى ريعان الشباب أتى ليؤدى العمرة فتوفى على باب الحرم فصُلى عليه بالكعبة، فتذكرت ما نقشه الخليفة عمر بن الخطاب على خاتمه «كفى بالموت واعظًا يا عمر».
لذا أدعو حكامنا وهذه نصيحة خالصة لله لعلها تمس القلوب، أن يذهبوا إلى الكعبة كأفراد دون أى صفة رسمية ويتركوا مظاهر العظمة المصاحبة للمناصب والمسؤولية خارج أبواب الحرم ولو لبعض الوقت، ويصدقوا مع أنفسهم ولا يتذكروا إلا أن كلًا منا هو عبد فقير إلى الله تعالى يعانى كثيرًا من الأزمات، ويعيشوا هذا الجو الروحانى بصدق لأنفسهم أولا ثم لشعوبهم ثانيًا، ويخالطوا أجناس الأرض كافة ويراقبوهم فبعض هؤلاء هم من يحكمون،
فإذا صدقت النية فعند خروجهم من الحرم سيتغيرون ويتفهمون شعوبهم ومشاكل أوطانهم وسوف يسعون إلى إصلاح الشؤون كافة، فاختلاط الشر بالخير بالنفس البشرية معروف، ولكننا أُمرنا أن نزكى الخير وننميه فى أنفسنا فنترجى الله أن نمر بالدنيا مرور الكرام وليس مرور اللئام! لا أعرف أهذا حلم يقظة أم رؤية ليست بمستحيلة؟
د.أمينة الغمرى
amgham@gmail.com