وفاة طفل، سواء حفيد رئيس جمهورية أو خلافه بطريقة فجائية صادمة، هى مناسبة المفروض أن يظللها جلال الحزن ووقاره، ولا يجب أبدًا أن تستغل لتمرير أفكار وهمية أو خزعبلات تراثية تحت اسم الصبر والسلوان، وما حدث فى برنامج «البيت بيتك» من تصريحات للمفتى يندرج تحت هذا البند التمريرى التبريرى: بند ترويج الأساطير وبيع الخرافة للبسطاء. تحدث المفتى عن تفاصيل الغيب والجنة والقبر بتفصيل التفاصيل، وكأنه يطلع على عوالم الغيب من خلال بللورة شندى الفلكى أو مولانا الألوسى! وقال من ضمن ما قال إن الطفل يلهو فى العالم الآخر، وممكن يفتح علينا التليفزيون دلوقتى فى وقت فراغه، وممكن يكون قاعد معانا فى الأستوديو، أما حديثه عن البرزخ فقد كان حديثًا أقرب إلى غموض حلقات المفتش كورمبو، أو إثارة برنامج الكرة مع شوبير! فقد قال الشيخ على جمعة عن البرزخ إنه مثل بلف الكورة بالضبط بيعدى الهوا فى اتجاه واحد، واندهشت من كل هذا الكم من الشفافية التى يتمتع بها مفتى مصر، والتى مكّنته من الاطلاع على كل هذه التفاصيل الدقيقة لهذه الأسرار اللدنية، مما جعل المشاهدين يعتقدون أن المفتى كان هناك فى «ويك إند» أو «تايم شير»! وقضية البرزخ والبلف تفتح أمامنا قضية أكثر أهمية، وهى قضية الاطلاع على الغيب التى يحتكرها الشيوخ، والتى تشتد سطوتها وقوتها فى وقت الحزن وأمام صدمة وجلال الموت بالذات، فنجد فيضانًا من وصف ما يحدث داخل القبر وفى البرزخ وداخل الجنة والنار، والوصف يكاد يكون حصريًا وعلى الهواء مباشرة ومن داخل الحدث وبأدق كاميرات الديجيتال، وناقص يوزعوا كتالوج تفصيلى! علم الغيب انفرد به الله سبحانه وتعالى، إنه عالم الغيب والشهادة، ولا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله، وعنده علم الساعة، والرسول نفسه يؤكد أنه لا يعلم الغيب، ولو كان يعلمه لاستكثر من الخير وما مسه السوء.. إذن من أين عرف هؤلاء الشيوخ كل هذه التفاصيل؟! وكيف نصدق أحاديث تنسب للرسول تتحدث عن هذا الغيب بشكل لا يقبله أى عقل أو منطق؟! كيف نصدق أن الرسول، عليه الصلاة والسلام، عندما سئل عن ميعاد الساعة أشار إلى غلام صغير، وقال إنه لن تدركه الشيخوخة والهرم حتى تقوم الساعة، وأعتقد أن هذا الطفل قد مات بالفعل والقيامة لم تقم بعد! وكيف نصدق حديث أنه لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديًا أو نصرانيًا! رغم أن الرب قد أكد أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وكيف نتخيل أن الله يكشف عن ساقه يوم الحساب العصيب حسب رواية أحد الأحاديث، أو يضع سبحانه قدمه فى النار ليوقف المزيد من داخليها ليحسم الاختصام بين الجنة والنار؟! كيف يستقيم هذا مع ديننا دين العقل، دين اقرأ، دين تفكّر وتدبر وتأمل؟! مع كامل احترامى للمفتى أسأله: عرفت منين حكاية البرزخ والبلف؟!