قتلت وسائل الإعلام حكايته بحثا ونقلا وتحليلا، لكن ظهوره فى أحد الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر «مراجعة دربان»، إلى جوار هيليل نوير، المدير التنفيذى لمنظمة «يو إن ووتش» الصهيونية، ثم خروجه الدرامى من القاعة بعدما منعت عنه رئيسة الجلسة الليبية الكلمة، ثم ظهوره من جديد فى «قمة جنيف»، المناوئة ل «دربان 2»، سلط الأضواء من جديد على الطبيب الفلسطينى أشرف الحجوج، الذى اتهم وممرضات بلغاريات فى قضية حقن أطفال ليبيين بفيرس الإيدز، لا لقضيته فى حد ذاتها، ولكن هذه المرة لتداعياتها وكيفية استثمار منظمات حقوقية صهيونية ويهودية عالمية لها فى استقطاب هذا الطبيب «الفلسطينى» الذى وقع ضحية تصفية حسابات استخباراتية ليبية، ففتحت له ذراعيها، فى وقت لفظته فيه جميع الأنظمة العربية وسُدت فى وجهه سبل اللجوء السياسى إليها، بعد أزمته الشهيرة مع الحكومة الليبية. قال الحجوج بمرارة، فى حديث متقطع تخللته كلمته أمام «قمة جنيف»: «ديننا الإسلامى يقول تبين.. ومع ذلك وبين عشية وضحاها وجدت نفسى متهما بالعمالة مع الموساد ومع شركات دواء أجنبية بل وبأننى مجنون بهوس البحث العلمى.. فتم اعتقالى وتعذيبى على يد السلطات الليبية دون أن يسأل عنى سفير فلسطين ولا أى سفير عربى آخر، كما لم تسأل عنى منظمة حقوقية عربية واحدة، الكل عاملنى باعتبارى عميلا ومذنبا ألصقت به تهمة نقل فيرس الإيدز ل 400 طفل ليبى، بعدما استنطقوا منى اعترافات تحت ضغط التعذيب بأنى ارتكبت تلك الجريمة، التى ليس لى فيها أى مصلحة». ويمضى أشرف قائلا «كنت مجرد كبش فداء للحكومة الليبية، لتساوم بى الغرب وتبتزه فى قضية لوكيربى، لمقايضتى بمنفذ العملية عبدالباسط المقراحى، وأجهزة الأمن الليبية، شأنها شأن أى أنظمة عربية أخرى، لعبت على وتر الخيانة الوطنية، بغض النظر عن الضحية، لخدمة أغراضها ومصالحها الشخصية». «هكذا لم أجد فى خضم هذه الأزمة أحدا يقف إلى جوارى، فى وقت كانت فيه الحكومة البلغارية تقف وراء ممرضاتها المتهمات معى فى القضية نفسها»، وقتها - والحديث للحجوج - تعرضت لهزة نفسية كبيرة، «بعدما طرق أبى جميع السفارات العربية لإعطائى الجنسية، فرفضوا جميعهم، ولم أجد يد العون تمتد لى سوى من وزير الخارجية البلغارى، الذى قال لى بالحرف: كيف أستطيع أن أساعدك، قل لى ماذا تريد؟، فأجبته بلهفة: أرجوك لا أريد سوى الجنسية البلغارية، ليتسنى لى الخروج من المعتقل الليبى، فوافق فورا، ثم اكتشفت بعد ذلك أن هذا الوزير يهودى، فكانت لحظة فارقة فى حياتى، لكنى لن أنساها ما حييت، وأنا الفلسطينى، الذى أعلم جيدا ما تفعله إسرائيل فى بلدى وأهلى وأرضى». جاءت تلك الإشارة الأخيرة، فى كلمته أمام «القمة»، حيث صاح بصوت عالٍ مؤثر «شكرا لبلغاريا لأنها منحتنى الجنسية، وشكرا لهولندا لأنها وفرت لأهلى الإقامة، وشكرا لوزير الخارجية اليهودى على عرضه مساعدتى، وشكرا للاتحاد الأوروبى على مفاوضاته مع الحكومة الليبية لإطلاق سراحى، فلولاهم لما كان أحد سأل عنى ولكنت حتى الآن فى سجون ملك ملوك أفريقيا». بعدما ضجت القاعة بالتصفيق الحاد لكلمة الحجوج، لاسيما عند إشارته للقذافى، وبعدما انتهت الجلسة وعدنا لنستأنف حديثنا المنفرد، قال الحجوج وقد بدا أكثر تأثرا وإرهاقا، «هل تعتقدين أنه من السهل علىّ أن أسمع أجراس الكنائس تدق من أجلنا فى بلغاريا، ولم تفعلها المساجد؟!! كان هذا أكثر ما يؤلمنى، عندما يأتى إلىّ ناشط حقوقى يهودى ليشد من أزرى، لم أكن أملك إلا أن أتعامل معه كإنسان، رغم أنى أعرف معاناة شعبى من جرائم إسرائيل، لكن أنظمتنا للأسف تلفظ مواطنيها وتظلمهم فتعطى للغرب ولليهود فرصة الشماتة فيها، نحن ضعاف لأننا شعوب بلا كرامة». اختلطت مشاعرى فى هذه اللحظة بين التعاطف الشديد معه، والإشفاق عليه، والرغبة فى نصحه بعدم الارتماء فى أحضان مثل هذه المنظمات، لكنه كان على عجل ليسافر عائدا إلى هولندا فى مهمة لم يفصح عنها مع إحدى الممرضات البلغاريات التى بدا من الواضح أن صداقة حميمة باتت تجمع بينهما بعد كل ما تقاسماه من ذكريات أليمة وطقوس تعذيب جماعية، فرحل مودعا، وصوره لا تفارقنى، لاسيما وهو يرتجف فى كلمته أمام المندوبة الليبية، بينما يجلس «نوير» إلى جواره يلقنه ما يقول وما لا يقول، ثم صورة «نوير» مرة أخرى وهو يراقبه أثناء كلمته فى «قمة جنيف»، التى لم تعدُ أن تكون تجمعا صهيونيا تحدثت فيه شخصيات عربية عن انتهاكات حقوق الإنسان فى العالم العربى.