اتهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إسرائيل اليوم بارتكاب "تطهير عرقي" ضد الفلسطينيين بعد يومين من شجبه الدولة اليهودية كدولة عنصرية وهو ما أدى إلى انسحاب عدد من الدول من مؤتمر للأمم المتحدة عن العنصرية. وتحدث الرئيس الإيراني في مؤتمر تستضيفه العاصمة طهران عن " الإبادة الجماعية وجرائم الحرب" في غزة وطالب بتقديم "مجرمي" إسرائيل للعدالة بسبب الحرب في القطاع الساحلي في يناير الماضي، وصرح بأن إيران خصم إسرائيل اللدود قدمت طلبا لاعتقال 25 "مجرم حرب صهيونيا" للشرطة الدولية. وفي خطوة تهدف لإنجاح مؤتمر الأممالمتحدة لمناهضة العنصرية وتجنب أي انسحاب جديد غداة الاستنكار الذي أثاره خطاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ضد إسرائيل، سارع المؤتمر إلى تبني البيان الختامي مبكرا قبل 3 أيام من موعده المقرر، نقلا عن تقرير إخباري الأربعاء 22-4-2009.
وتبنى المشاركون في مؤتمر "دوربان 2" البيان الختامي أمس الثلاثاء، والذي ندد بتفاقم ظواهر التعصب والعنف العرقي والديني بصفة عامة، ولا سيما العداء للإسلام والعرب والمسيحية والسامية.. وانعقد المؤتمر استكمالا لحلقته الأولى التي نظمت في دوربان بجنوب إفريقيا عام 2001.
وقال دبلوماسي من جنوب إفريقيا رفض كشف هويته إن "الدبلوماسيين قرروا تعجيل عملية (التبني) للحيلولة دون انسحاب دول أخرى بعد الجدل الذي نشب الإثنين الماضي".
وعلق السفير المصري هشام بدر قائلا: "كانت هناك مخاوف من انسحاب دول أخرى، لكن كل الدول أبدت تصميما على القول للمجتمع الدولي إننا لن ندع أحدا يحول المؤتمر عن هدفه الأصلي".
وانطلق المؤتمر في جو من التوتر بسبب الانتقادات العنيفة التي وجهها أحمدي نجاد إلى إسرائيل، ودفعت ممثلي 23 دولة من الاتحاد الأوروبي إلى مغادرة القاعة احتجاجًا.
قرر عدد من الدول حتى قبل افتتاحه عدم المشاركة في المؤتمر، ومساء الاثنين الماضي انضمت جمهورية تشيكيا التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي بدورها إلى لائحة الدول التي قررت عدم المشاركة، وتضم الولاياتالمتحدة وإسرائيل وإستراليا وكندا وألمانيا وهولندا وبولندا. في حين أعلنت بريطانيا وفرنسا مشاركتهما على مستوى سفيريهما. وقامت الأممالمتحدة بمساع كثيرة الثلاثاء لإصلاح الأمور بعد اليوم الأول الكارثي، وشددت على أهمية تبني نص نال تأييدًا واسعا أثناء الاجتماع التحضيري الأخير.
كذلك لم يغب وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير عن الصورة الثلاثاء، واعتبر أن المؤتمر "ليس إخفاقا بل هو بداية نجاح"، منتقدًا نتائج مؤتمر 2001 التي اعتبرها "تدفقًا للعنصرية"، ومؤكدا أن "دوربان 2" يتبنى نصًّا "يشمل كل ما نرغبه، وكل ما ترغبه الدول الغربية، حتى وإن لم يكن كاملا".
وقد تم تنقيح النص النهائي للبيان من كل المواضيع الخلافية وخصوصا الإشارات إلى إسرائيل والإساءة إلى الديانات التي يعتبرها الغربيون بمثابة "خطوط حمر"، لكن أبقيت فيه الفقرة المتعلقة بذكرى المحرقة خلافا لرأي إيران، في تواطؤ بين مع الصهاينة.. وقال النص إن "محرقة اليهود على يد النازية يجب ألا تنسى أبدا". ما جدد إعلان وبرنامج عمل دوربان 2001 الذي رفضته آنذاك الولاياتالمتحدة.
وتضمن فقرتين تتعلقان بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني رغم اعتراض واشنطن، وكذلك حول "مصير الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال الأجنبي" في الفصل المتعلق ب "ضحايا العنصرية".
حماس
وفي سياق آخر اعتبرت حركة حماس ان مقاطعة بعض الدول وخاصة الولاياتالمتحدة لمؤتمر مكافحة العنصرية يشكل "غطاء لجرائم" اسرائيل.
وقال فوزي برهوم المتحدث باسم حماس في بيان "ان انسحاب هذه الدول يعطي غطاء واضحا للكيان الصهيوني العنصري على جرائمه الرهيبة بحق الأطفال والنساء وأبناء الشعب الفلسطيني".
نجاح نجاد أجمع الصحفيون والمتابعون لفعاليات مؤتمر مناهضة العنصرية «مراجعة دربان» أن الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد بحضوره، كأعلى ممثل لمستوى دبلوماسى فى المؤتمر، وبكلمته التى أثارت الإعجاب والجدل فى آن واحد، كان هو نجم اليوم الأول للفعاليات، التى بدأت أمس الأول الاثنين وتنتهى بعد غد الجمعة.
ورأى الكثيرون أن الاحتجاج الاستعراضى الذى قام به طلبة إسرائيليون من الجامعة العبرية فى القدسالمحتلة، خدم الرئيس نجاد ولم يضره، بل حوله إلى «بطل»، إذ تجاوب الحضور فى القاعة أثناء الكلمة بالتصفيق الحاد له، كلما حاول أحد الطلبة الإسرائيليين التشويش عليه.
وبينما كان نجاد يجيب عن أسئلة الصحفيين لمدة نحو 25 دقيقة، عقب خطابه أمام المؤتمر، كان الطلبة الإسرائيليون يهتفون بالخارج كلمة «عنصرى.. عنصرى»، مرتدين أنوفاً بلاستيكية حمراء، ورافعين لافتات كتبوا عليها «عار عليك يا نجاد». وكان نجاد قد تجاوز مضايقات أخرى أثناء كلمته فى قاعة الجمعية العامة، عندما قفز إلى القاعة من بين الجمهور شباب يرتدون أقنعة ملونة، قبل أن يقتادهم الأمن إلى الخارج، واختلفت الروايات حول هويتهم ما بين نشطاء إسرائيليون وطلبة، فى حين أكد آخرون أنهم من «مجاهدى خلق»، أكبر تشكيل معارض للنظام الإيرانى.
واللافت أن نجاد استطاع تجاهل تلك الانفلاتات، رغم اقتراب بعض المحتجين منه إلى حد كبير، والأكثر أنه استكمل كلمته ببساطة، تالياً بعض آيات القرآن، وطالباً من الحضور أن يلتمسوا العذر لهؤلاء الشباب، الذين كانوا أشبه بكومبارس فى «مسرحية هزلية».
وما يؤكد على خطف نجاد للأضواء فى المؤتمر أنه إلى جانب المظاهرات التى جرت بالخارج أثناء انعقاده، أقامت جماعات يهودية مرتدية القلنسوات، فعالية جانبية فى الميدان المقابل لمبنى الأممالمتحدة، بدأت تمام الثانية ظهراً، بهدف جذب أكبر عدد من الإعلاميين وراءهم، لاسيما قبل ساعة واحدة من كلمة نجاد ومؤتمره الصحفى، وهو ما لم ينجحوا فيه.
وظهر حاخام يهودى بقبعته ولحيته وملابسه التقليدية فى أروقة مؤتمر مناهضة العنصرية «مراجعة دربان»، بينما تقاطع حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة المؤتمر، فهو أمر ملفت للأنظار، أما أن تدقق النظر فتجد هذا الحاخام يزين صدره بالعلم الفلسطينى، وبجواره شعار «يهود ضد الصهيونية»، فلهو الأمر المثير للإعجاب، الذى لا تملك معه إلا أن تتقدم لهذا الرجل لتحييه بالإنجليزية فتفاجأ به يرد عليك بتحية الإسلام. «يسرائيل ديفيد وايس» هو المتحدث باسم جماعة «ناطورى كارتا» اليهودية، وتعنى بالعربية «حراس المدينة»، والتى تأسست منذ عام 1935، ردا على الحركة الصهيونية التى ابتدعها تيودور هيرتزل، ووايس هو حاخام يحمل الجنسية الأمريكية ويعيش فى أى مكان فى العالم إلا فى دولة إسرائيل، التى لا يعترف بها، ويرى أنها دولة احتلال أقيمت «ضد مشيئة الله».
وهو من قال: «الله منعنا من تكوين دولة وأمرنا بالشتات إلى أن يؤمن الجميع بأن الله واحد». وتراه فى الكثير من الفعاليات الدولية، واضعا العلم الفلسطينى على صدره.
وقال وايس إنه جاء إلى هذا المؤتمر «لأوضح للناس أن الصهيونية ودولة إسرائيل ليس لهم الحق فى استخدام اليهودية كذريعة لشرعنة احتلالهم للأراضى العربية.. وليس لهم الحق للتحدث باسم اليهود وإفساد تلك العقيدة السماوية، فالصهاينة هم أسوأ ممثل لليهود فى العالم وعلى مر التاريخ».
وبسؤاله عن رأيه فى المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلى، وبخاصة فى حركة «حماس»، أكد أنه وجماعته يتمنون ويطالبون بإعادة جميع أراضى ال48 إلى أصحابها الفلسطينيين، وبتفكيك دولة إسرائيل «سلميا»، لأن أولئك الصهاينة هم «ممثلون للشيطان»، وأشار إلى أنه له علاقات طيبة بكثير من قيادات «حماس»، مثل أحمد يوسف، المستشار السياسى لرئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية، فى حين أنه إذا ما صادف أى مسؤول إسرائيلى فى أى منتدى دولى، لا يتوجه له بالحديث ولا يعترف بوجوده.
وبينما شدد وايس على حرمة الدم، أكد أنه يتفهم مواقف المقاومة، ويقول إنه يدرك جيدا أن «حماس لا تريد سوى الأرض ولا تستهدف الدم اليهودى»، فنحن نتبادل الحوار معا باستمرار، وكذلك الحال مع الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد، الذى يراه إنسانا «ودودا ودافئا للغاية» فى حديثه.
ويوضح أنه يدرك أيضا أن هذا الرجل، رغم الجلبة التى يثيرها بتصريحاته أمام الغرب، فإنه «ليس ضد اليهود أبدا، بل ضد الصهيونية، وعندما دعا إلى إزالة إسرائيل، كان يتحدث عنها كقوة احتلال صهيونية فقط، لأنى أعلم جيدا أنه يحترم اليهود ويقدرهم». قالها وختم حديثه ب «السلام عليكم» مرة أخرى، فى حين لم تكن الابتسامة الهادئة تفارقه طوال حوارنا، الذى بوسعى أن أقول إنه كان أيضا «ودوداً ودافئاً للغاية».