بوليتيكو: الشيوخ الأمريكي يوقف الترويج لمشروع العقوبات على روسيا بعد تصريحات ترامب    ترامب يطارد جائزة نوبل للسلام: كيف يمكنه تحقيق المستحيل؟    هتقلب موازين سوق الانتقالات بأوروبا، رحيل ثنائي ريال مدريد بعد فضيحة مونديال الأندية    وسام أبو علي يتمرد بعد قرار الأهلي    "مش بنلعب في الشارع".. السيد حمدي يشن هجومًا لاذعًا ضد وسام أبو علي    التهم 91 مركبة منهم 62 توكتوك و20 سيارة، حصيلة كارثية لحريق منطقة البتروكيماويات في الإسكندرية    الأرصاد الجوية: طقس شديد الحرارة رطب نهارًا على أغلب المناطق خلال الساعات المقبلة    د.حماد عبدالله يكتب: جودة الحياة في مصر!!    محمد صبحي يوافق على الانتقال لبيراميدز (خاص)    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب ترتفع 440 للجنيه اليوم الثلاثاء 15 يوليو بالصاغة    الصفقة السابعة.. غزل المحلة يتعاقد مع لاعب منتخب الكاميرون للشباب    أحداث السنترال والطريق الإقليمي.. المشكلة أكبر من ذلك    الاتحاد الأوروبي يدعو «إكس» للتحدث حول أزمة «جروك»    محمد حمدي: الظروف لم تساعدني في الزمالك.. وكنت أرحب باللعب للأهلي    أحمد وفيق: جلال الشرقاوي دعمني بعد رفضي من معهد الفنون المسرحية    القضاء الإداري يصدر أحكاماً في طعون انتخابات مجلس الشورى (تفاصيل)    قوات الاحتلال تقتحم عدة مناطق في جنين    مستوطنون يحرقون مخزن سيارات «شرق رام الله» بالضفة الغربية    الاحتلال يقتحم ضواحي طولكرم ويعتدي على مواطنين ويعتقل أحدهم    الأوقاف تُطلق الأسبوع الثقافى ب27 مسجدًا على مستوى الجمهورية    سعر السبيط والجمبرى والأسماك بالأسواق اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025    السيطرة على حريق في مخلفات غزل ونسيج بالغربية    سعر الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض بالHسواق اليوم الثلاثاء 15 يوليو 2025    الانتخابات المنسية    حاول الابتعاد عن الصخب الاجتماعي.. حظ برج العقرب اليوم 15 يوليو    4 أبراج «بيبصوا لنُص الكوباية المليان».. متفائلون دائمًا يحولّون الأزمات لمواقف مضحكة    أمين الفتوى: صلاة المرأة في الأماكن العامة ليست باطلة (فيديو)    المنقلبون على أعقابهم!    لتجنب انخفاض الكفاءة والعفن.. طريقة تنظيف الغسالة في 4 خطوات بسيطة    علاج شعبي ونبات رسمي لولاية أمريكية.. التين الشوكي فاكهة ذات 12 فائدة    بمكونات موجودة في المنزل.. 5 طرق طبيعية للقضاء على ألم الأسنان    ضحية واقعة "شهاب سائق التوك توك": وثّقت الحادثة للتقويم لا للتشهير.. والداخلية تحركت فورًا    اليونيسف تنعى 7 أطفال قُتلوا أثناء انتظارهم للحصول على الماء في غزة    فاينانشيال تايمز تنصح المستثمرين الأمريكيين بتوخي الحذر من التراخي في تطبيق التعريفات الجمركية    غزل المحلة يضم الظهير التنزاني رحيم شوماري    محمد الحنفي يعلن عبر في الجول قراره باعتزال التحكيم    الجيش الإسرائيلي يعلن عن مقتل ثلاثة جنود في معارك شمال قطاع غزة    أسعار اللحوم البلدي والكندوز اليوم الثلاثاء 15-7-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 15-7-2025 في محافظة قنا    "الإفريقي للتنمية" يقدم منحة بقيمة 62 مليون دولار لاستعادة الخدمات الأساسية في السودان    مصر العاشر عالمًا في تحسن الأداء السياحي بالربع الأول من 2025    أسعار الخضروات اليوم الثلاثاء 15-7-2025 في قنا    "الوطنية للانتخابات" تطلق "دليلك الانتخابي" عبر الموقع الرسمي وتطبيق الهيئة    بالزيادة الجديدة، صرف معاش تكافل وكرامة لشهر يوليو اليوم    سينتيا خليفة تدخل المستشفى بسبب تسمم غذائي خلال إجازتها في لبنان    رئيس الوزراء يصدر قرارا بالتشكيل الجديد للمجلس الأعلى للثقافة    نتيجة الثانوية العامة الأسبوع الأخير من يوليو    رئيس مجلس القضاء الأعلى يصدر حركة تغييرات محكمة النقض    «الأزهر العالمي للفتوى» يعلن خارطة فقهية للتعامل مع نوازل الزواج والطلاق    كوادر بشعار «أنا مسئول» |«الوطنية للتدريب» تطلق مبادرات تمكين المرأة والشباب    الداخلية تلقى القبض على شخصين تعديا على 3 سيدات بالضرب بالدقهلية.    أحمد زاهر يشيد بديو "الذوق العالي" لتامر حسني ومحمد منير: حاجة عظمة    هيئة الإسعاف عن دخول أول إسعاف بحري الخدمة بالإسكندرية: نقلة جديدة تخدم قطاع السياحة    محافظ المنيا يعلن غدا انطلاق حملة «100 يوم صحة» لتقديم الخدمات الصحية في القرى الأكثر احتياجًا    كيفية تطهر ووضوء مريض القسطرة؟.. عضو مركز الأزهرتجيب    محمود فوزى: الصحافة البرلمانية شريك رئيسي في دعم الشفافية وتعزيز الحوار الديمقراطي    خالد الجندي: محبة الله أساس الإيمان وسر السعادة في المساجد    السعيد حويلة.. قصة 45 سنة حداد ماكينات ري الأراضي الزراعية بكفر الشيخ: بحبها من صغري ومعنديش شغلانة غيرها (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الهجوم».. العمل الفائز بالجائزة الكبرى في «مراكش» ليس مجرد فيلم عن فلسطين
نشر في المصري اليوم يوم 12 - 12 - 2012

توج فيلم «الهجوم» للمخرج زياد الدويري، بجائزة النجمة الذهبية في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، متفوقًا بذلك على 14 فيلمًا هي حصيلة أفلام المسابقة الرسمية للدورة الثانية عشرة، والتي رأس لجنة تحكيمها المخرج البريطاني الكبير جون بورمان.
الفيلم يحمل اسم مصر إلى جانب لبنان وقطر وبلجيكا لاشتراكها في الإنتاج حسب ما ورد في كتالوج المهرجان، وبهذا يكون الفيلم هو التمثيل الوحيد لمصر ضمن 80 فيلمًا مشاركًا في فعاليات الدورة المنتهية.
و«الهجوم» ليس فيلمًا تقليديًا عن القضية الفلسطينية أو الصراع العربي الإسرائيلي، بل إنه فيلم عن أزمة الانحياز وبناء الرأي.
قبل التيترات نرى مشهد وداع بين البطل أمين الجعفري وزوجته من خلال كادر ضيق لا يظهر سواهما, هي تقول له إنه «في كل مرة يرحل يموت جزء من روحها»، وهذا الارتباط الروحي سيكون جزءا من معاناة البطل خلال رحلة بحثه عن الحقيقة بعد تورط زوجته في هجوم استشهادي على مطعم بتل أبيب.
وخلال مشهد واحد فقط عقب التيترات يكشف لنا السيناريو شخصية أمين الجعفري كاملة, إنه جراح إسرائيلي من أصل فلسطيني «عرب 48» يتم تكريمه في جمعية الجراحين الإسرائيلية ليكون أول شخص من أصول عربية يحصل على جائزة بن إليعازر في الجراحة, ويتقدم أمين ليلقي كلمة معبرة عن موقفه السياسي من إسرائيل الذي تغير نتيجة ما حققه من نجاح عبر الدراسة والعمل بها, إنه يغلف موقفه بنظرة انسانية عندما يقول «لقد تغير شعوري عندما وجدت من هو في حكم العدو راقدًا على منضدة الجراحة أمامي»، هذا التكثيف الدرامي يستتبعه تكثيف بصري عندما نشاهد سيارته الفاخرة، وفيلته الأنيقة، وبطاقة الهوية الإسرائيلية التي يحملها ويعرضها للجندي عندما تم توقيفه ليلا.
في الصباح نكتشف البعد الاجتماعي لعلاقاته مع المجتمع الذي يعيش فيه، وهي المستشفى الذي يعمل به, وذلك من خلال صديقه رجل الموساد الذي أجرى لوالدته جراحة خطيرة, وزميلته التي تكن له مشاعر عاطفية واضحة، وزميل آخر يبدو نموذجا للعنصرية المقننة حيث يحقد على نجاح «أمين» والمركز المعنوي والمادي الذي وصل إليه لأنه من أصول عربية، وفي الخلفية تبدو تل أبيب مدينة فضائية شديدة الفخامة والرقي والتحضر، وهي خلفية مقصودة للدلالة على كون هذا المجتمع براقا وشديد الجاذبية من الخارج.
عندما يحدث الانفجار تبدأ نقطة الهجوم على المتلقي والشخصية الرئيسية في نفس الوقت, لأن الانفجار حدث في مطعم، وأغلب الإصابات من الأطفال, وهنا تبدأ أزمة الانحياز في الظهور, الأطفال يبكون معذبين من أثر الجروح، بعضهم يموت, وهنا يضعنا المخرج أمام مأزق التعاطف الانساني بسؤال صعب، وهو هل نقبل بقتل طفل؟ لتصبح الإجابة أليسوا هم أيضا قتلة أطفال؟
اختيار المخرج لفكرة موت الأطفال في التفجير الاستشهادي، أو الهجوم الإرهابي في لغة الشخصيات الإسرائيلية، اختيار شديد القوة دراميًا لأنه يتعمد توريط المتفرج في أزمة الانحياز والمأزق الإنساني العام للصراع.
في البداية يرفض «أمين» كل الاتهامات الموجهة إلى زوجته، ويصر على أنها ماتت في الانفجار, ويرفض اعتبارها استشهادية تسببت فيما حدث, ويقول «إنها مسيحية.. إنها مسيحية» ويكرر ذلك كثيرًا كأنه يدافع عنها, وكان ذلك اختيارًا شديد القوة من صناع الفيلم, فهي مسيحية تعيش في تل أبيب، وزوجة جراح ناجح وثري، ولذلك ما الذي يدفعها لتفجير نفسها كي تستشهد؟
يحاول المخرج الاستغراق في حيرة «أمين» النفسية عبر لقطات خاطفة من لقاءاته بزوجته عبر الفلاش باك, وفي مشهد مهم نراهما في بداية التعارف عاريين في الفراش, إنها ذاكرته التي تستدعي هذا المشهد ليصبح دلالة على أنه كان يظن أنها تعرت أمامه, أي أنها كشفت كل أسرارها وكشف لها كل اسراره, لكن فيما بعد، سيعلم حجم الأسرار التي كانت تخبئها, لقد انحازت وأصبحت لها قضيتها السياسية في المقام الأول، وليست قضية دينية أو اجتماعية.
هذا ما سيقوله له القس الذي سيقابله في نهاية رحلته في نابلس: «لسنا إسلاميين ولسنا مسيحيين متعصبين نحن أصحاب قضية», هذه القضية كانت غائبة تمامًا عن أمين وعن أمثاله من المستغرقين في حياتهم داخل المجتمع الإسرائيلي.
تتخذ الكاميرا في لقطات كثيرة وجهة نظر «أمين» الشخصية، إنها فكرة الآية الشهيرة من أنجيل يوحنا «لقد كنت أعمى والأن صرت مبصرا» إن اتخاذ الكاميرا وجهة نظر الشخصية أشبه بعملية متابعة التبصير الذي يحدث لها, وفي مشهد ساذج يعرض سائق التاكسي على «أمين» أن يستمع إلى خطب الشيخ «مروان» أحد دعاة الجهاد ضد الإسرائيليين، مما يدفع «أمين» لمقابلة الشيخ ظنا منه أنه كان السبب وراء اقتناع زوجته بفكرة المهمة الانتحارية.
هناك ينكر الشيخ كل صلة له بالزوجة التي أصبحت صورها معلقة في كل مكان على حوائط نابلس, تزداد حيرة «أمين» لأنه يبحث عن سبب وقد ظن أنه سيجده في الدين.
يدافع الفيلم هنا عن الاستشهاديين الذين يقال إنهم يقومون بهذا من أجل الجنة, تذكرنا هذه التيمة الفكرية بفيلم هاني أبو أسعد «الجنة الآن», وفي جملة مؤثرة يسأل ضابط الموساد «أمين» أثناء التحقيق «الذين يقومون بعمليات انتحارية ينتظرون حور العين في الجنة ولكن زوجتك كامراة ماذا تنتظر هناك؟» هذا السؤال يصبح جزءا من الإجابة نفسها, إنها تنتظر وطنًا محررًا, يرفض الفكر الصهيوني، هذه الفكرة يروج لها عبر مسمع إذاعي يستمع له أمين بأن الاستشهاديات يعانين من مشاكل اجتماعية ونفسية, ويضربون مثلا بكون وفاء إدريس أول استشهادية فلسطينية كانت عاقرا ومطلقة.
لكن زوجة الطبيب لم تكن عاقرًا أو مطلقة أو دميمة أو فقيرة, ولا توجد أسباب دينية أو اجتماعية أو نفسية وراء إقدامها على تفجير نفسها سوى الانحياز للقضية.
من عيون «أمين» نرى جنديا إسرائيليا يتحرش على الحدود بشاب فلسطيني ويكاد يقتله, ومن خلال عيون أمين نرى جدار الفصل العازل, ونرى نابلس التي تتناقض في مظهرها الفقير مع فخامة تل أبيب وتحضرها الظاهري, هنا يصبح توحد الكاميرا مع عيون الشخصية جزءا من الشكل والمضمون على حد سواء.
لم يتورط الفيلم في أزمة بوليسية مفتعلة, إن ذروة الصراع النفسي لدى الشخصية ليست في التأكد من كون زوجته هي الاستشهادية أم لا، لكن لماذا فجرت نفسها؟ ولهذا ينتهي السيناريو سريعًا من تلك التفصيلة عبر الخطاب الذي يصل للزوج من زوجته ويصبح سبب رحلته إلى نابلس كي يجيب على السؤال الأهم، لماذا؟.
الخطاب قادم من نابلس ليس من أجل التوضيح ولكن من اجل الاستدراج, هنا يتماس الخط السياسي العام بالخط النفسي والعاطفي الشعري, يتكامل هذا الخط بمشاهدة الزوج للفيديو الخاص بالعملية, وهو مختلف كل الاختلاف عن فيديوهات الاستشهاديين, فلا قراءة لأسباب الاستشهاد، ولا القسم بالله ورسوله على التحرير، ولا وعود باللقاء في الجنة, لكن مجرد الوجه الآخر للمكالمة التي رأيناها في بداية الفيلم والتي تلقاها الزوج قبل تكريمه بثوان.
إن الزوجة لا تضع نفسها كجزء من عملية المقاومة والتحرير، ولكن لتغيير موقف الزوج, إنها لم تعد ترضى بأن تراه منحازًا للجانب الخطأ.
فكرة القربان أو الفادي هي أقرب للعقيدة المسيحية التي تعتنقها الزوجة، وبهذا يصبح لاستشهادها دلالة عاطفية وسياسية في الوقت نفسه ويصبح تغير موقف الزوج وبداية انحيازه مقنعًا وهو ما نلمسه في حوار انفعالي مع صديقته وزميلته الطبيبة الإسرائيلية التي كان التعاطف والمغازلة واضحًا من جانبها في البداية.
ويلخص السيناريو شعورها بتغير موقف «أمين» من خلال انتقالها من الحديث بضمير المتكلم «أنا» العاطفي الشخصي إلى الحديث بضمير الجمع «نحن» السياسي, وتكتمل فكرة القربان العاطفي والارتباط الروحي في المشهد الأخير عندما يذهب «أمين» إلى آخر مكان التقى فيه بزوجته لنسمعه يكرر نفس الكلمات التي ألقتها على مسامعه قبل رحليها «كلما سافرت بعيدًا عنك مات جزء من روحي».
يكسر الفيلم عددًا من التابوهات التقليدية في أفلام القضية الفلسطينية, مثل سخريته من شخصية الإسرائيلي المتفهم المتحضر المحب للسلام الذي يتعاطف مع العربي المسكين على حسب تعبير «أمين» في حواره بالفيلم مع زميلته, وهي الشخصية النمطية في أغلب الأفلام التي تحاول أن تتخذ موقفًا إنسانيا عاما كبديل عن الانحياز السياسي الواضح ضد اسرائيل.
فيلم «الهجوم» يحتاج إلى مشاهدة متأنية دون مواقف مسبقة، وإما أن يفتح المتلقي وجدانه ليتوحد مع شخصية «أمين» ويرى ما إذا كانت رحلته ستثمر عن فهم الأسباب الحقيقة في النهاية أم لا؟
الفيلم تأليف وإخراج زياد الدويري، وبطولة علي سليمان، ريموند المسيليم، إنتاج: جون بريها، رشيد بو شارب، ومدة الفيلم 99 دقيقة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.