على الرغم من مضى عدة أشهر على انتهائى من قراءتها، إلا أن عذوبة أسلوبها العفوى وبراءة البيئة الجنوبية البكر التى جرت فيها الأحداث لا تزال عالقة بحواسى. الشمندورةلمحمد خليل قاسم، والتى اكتسبت شهرتها من كونها أول عمل فنى يتناول مجتمع النوبة وثقافتها، أول عمل يرى فيه القارئ العربى بطلا إفطاره من خبز (الخمريد) و اللبن الرائب .. يعانى من عقدة اللون، ويهاجر هو وقومه على غير توقع و لا رغبة من بيوتهم التى يتربص بها طوفان غادر لا يرحم. صحيح أن الرواية تبدو بدائية على نحو ما خاصة اذا ما قورنت بأعمال الأجيال التالية التى فتح قاسم بشمندورته الباب أمامهم و على رأسهم بالطبع إدريس على والسياسى المشاغب حجاج حسن أدول، و لكنها تمتاز بمسحة طفيفة من الشجن تدفع إلى صدرك بحنان غامض لا تدرى له سببا وأنت تنغمس فى تفاصيل صغيرة .. بريئة لأشخاص حتى الشرير منهم ساذج و يتصرف بوحى من فطرته وحدها ....!!!! داريا سكينة، حسن المصرى، أمين كلثومة، برعى دولحظ، وشخصيات أخرى تنصهر فى معاناة الفقر والجهل وقلة الحيلة إزاء الخطر المقبل .. و بالرغم من ذلك يقتنصون من الزمن لحظات خاطفة من البهجة القلقة المحرومة تكفيهم لكى يبقوا على قيد الحياة. حالة أشبه (بالكليم) النوبى دقيق الصنع تمتزج فيه الألوان الزاهية بالداكنة فى تلاحم متقن بحيث تعجز العين عن تمييز الحد الفاصل بين كل لون و الآخر إلا بصعوبة. حتى النهاية جاءت مفتوحة بعد أن مات من مات وتزوج من تزوج .. بدايات جديدة فى مساكن جديدة، و مشاهد قديمة جرفتها مياه الفيضان مع بيوت تخلى عنها أصحابها مكرهين لينجوا بأنفسهم .. طفل فقد أمه المريضة، و فى الوقت ذاته يدخل المدرسة لأول مرة. إن الشمندورة عمل بالغ الصفاء والرهافة ..عمل أعتقد أنه يستحق القراءة بالفعل. " التدوينة هى هى على مدونتى الرئيسية : بره الشبابيك " http://reeeshkalam.blogspot.com/2010/03/blog-post_5029.html