اتحاد عمال مصر يؤكد دعمه لحقوق الشعب الفلسطيني ويدين ممارسات الاحتلال    مركز البحوث الطبية والطب التجديدي يوقع بروتوكول تعاون مع جامعة بنها الأهلية    الصناعة رؤى وتحديات    سعر الذهب مساء اليوم 5 يونيو 2025.. عيار 21 بكام؟    استبدال الأرباح الرأسمالية بالدمغة على التعاملات في الأوراق المالية    قائد حكيم    ترامب: إبرام اتفاق مع الرئيس الصيني سيكون أمرًا «في غاية الصعوبة»    انطلاق مباراة الإسماعيلي وسيراميكا في ذهاب نصف نهائي كأس عاصمة مصر    وزير السياحة يواصل متابعة الاستعدادات النهائية لتصعيد الحجاج لعرفات    مصرع طالب جامعي بطلقات نارية في الكرنك بقنا    ضمن المهرجان القومي للمسرح.. أيمن الشيوي يكتشف المواهب في بورسعيد    «إحلالٌ.. نعم! إغلاقٌ.. لا!»    حريات الصحفيين تطالب بالإفراج عن 22 صحفيا معتقلا بمناسبة عيد الأضحى    أهم أخبار الكويت اليوم الأربعاء.. الأمير يهنئ المواطنين والمقيمين بعيد الأضحى    الوداد المغربى يستعجل رد الزمالك على عرض صلاح مصدق    المجلس القومي لحقوق الإنسان يوافق على استقالة مشيرة خطاب ويكلف محمود كارم بالرئاسة    جامعة القاهرة ترفع درجة الاستعداد القصوى بمستشفياتها خلال عيد الأضحى    مروان عثمان يقود هجوم سيراميكا أمام الإسماعيلي في نصف نهائي كأس الرابطة    «معنى الرجولة و الشهامة».. كريم محمود عبد العزيز يحتفي بميلاد والده    دعاء يوم التروية لغير الحجاج .. اللهم إنى أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل    محمد بن رمضان يعيد أمجاد هانيبال مع الأهلي.. من هو وما قصته؟    دى لا فوينتى قبل قمة إسبانيا ضد فرنسا: لا نمل من الفوز ولدينا دوافع كبيرة    زوارق إسرائيلية تختطف صيادًا من المياه الإقليمية بجنوب لبنان    القاهرة تستضيف النسخة الرابعة من المؤتمر والمعرض الطبي الإفريقي «صحة إفريقياAfrica Health ExCon»    بعد نشرأخبار كاذبة.. مها الصغير تتقدم ببلاغ رسمي ل«الأعلى للإعلام »    اتفاق تعاون بين «مصر للمعلوماتية» و« لانكستر» البريطانية    وفد من الأزهر والأوقاف والكنائس يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد الأضحى    عودة خدمات تطبيق انستا باي بعد توقف مؤقت نتيجة عطل فنى    حنان مطاوع: يشرفني تقديم السيرة الذاتية ل سميحة أيوب    صعب عليهم نسيان الماضي.. 5 أبراج لا يمكنها «تموڤ أون» بسهولة    تأكيدا ل «المصري اليوم».. أيمن منصور بطل فيلم آخر رجل في العالم (البوستر الرسمي)    محمد رمضان يطرح أغنية أنا رئيسها.. فيديو    نجم الزمالك السابق: وسط الملعب كلمة السر في مواجهة بيراميدز    برسالة باكية.. الشيخ يسري عزام يودع جامع عمرو بن العاص بعد قرار الأوقاف بنقله    خُطْبَةُ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ 1446ه    هل تُجزئ صلاة العيد عن صلاة الجمعة؟.. «الأزهر للفتوى» يرد    بعد اهتمام برشلونة والنصر.. ليفربول يحسم موقفه من بيع نجم الفريق    رئيس هيئة الاعتماد يعلن نجاح 17 منشأة صحية فى الحصول على اعتماد "جهار"    جامعة القاهرة ترفع درجة الاستعداد القصوى والطوارئ بجميع مستشفياتها    وزيرة خارجية لاتفيا: سنعمل في مجلس الأمن لتعزيز الأمن العالمي وحماية النظام الدولي    الصحة: 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج خلال فترة إجازة عيد الأضحى المبارك    رئيس الوزراء: إزالة تداعيات ما حدث بالإسكندرية تمت فى أقل وقت ممكن    تموين الإسكندرية: توريد 71 ألف طن قمح حتى الآن    مدبولي: الإعلان عن إطلاق المنصة الرقمية لإصدار التراخيص خلال مؤتمر صحفي    إنتر ميلان يفتح قنوات الاتصال مع فابريجاس لتدريب الفريق    شيخ الأزهر يهنئ الأمة الإسلامية بعيد الأضحى ويطالب المجتمع الدولي بوقف غير مشروط للعدوان على غزة    ما تفاصيل مشروع قرار مجلس الأمن المرتقب بشأن غزة؟    مد فترة التشطيبات.. مستند جديد يفجر مفاجأة في واقعة قصر ثقافة الطفل بالأقصر    زلازل وعواصف وجفاف.. هل تستغيث الأرض بفعل تغيرات المناخ؟    صلاح عبدالله يستعيد ذكرياته مع سميحة أيوب في مسرحية رابعة العدوية    الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ بشبكات الصرف الصحي استعدادًا لصلاة عيد الأضحى    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    مسابقة لشغل 9354 وظيفة معلم مساعد مادة «اللغة الإنجليزية»    تحرير 518 مخالفة ل«عدم ارتداء الخوذة» وسحب 911 رخصة خلال 24 ساعة    «اللهم املأ أَيامنا فرحًا ونصرًا وعزة».. نص خطبة عيد الأَضحى المبارك 1446 ه    زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% تدخل حيز التنفيذ    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في الجيزة ترم ثاني    كامل الوزير: انتقال زيزو للأهلي احتراف .. وهذا ما يحتاجه الزمالك في الوقت الحالي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سعد هجرس يكتب:متى يستيقظون: السائرون نياماً.. على أرض «المريخ»؟

لا يضيِّع الدنيا الذين «مع» أو الذين «ضد» ولكن يضيعها «المتفرجون».
هكذا كتب الأديب الجميل بهاء طاهر فى رائعته «قالت ضحى»، وكانت هذه العبارة عميقة المعنى والمغزى – الذى ترقى إلى مستوى «الحكمة» – هى أول ما طرأ على ذهنى، وأنا أحاول التوصل إلى تفسير منطقى لهذا العبث الذى نعيشه بسبب مباراة كرة القدم بيننا وبين الجزائر، رغم أنى أعرف أن «المتفرجين» الذين ينتقدهم بهاء طاهر هم تلك الأغلبية السلبية الصامتة اللامبالية العازفة عن المشاركة بالموافقة أو المعارضة، بينما «المتفرجون» الذين «ضَّيعوا الدنيا» بسبب كرة القدم هم من السفهاء والمشاغبين والعدوانيين والغوغائيين والعنصريين، ومع ذلك فإن هؤلاء وأولئك – رغم الاختلاف الظاهرى بين أساليب «تعبيرهم» – ينحدرون من نفس الأصل والفصل.
إنهم جميعا أبناء عصر الانحطاط، وهم بهذا المعنى «جناة» و«ضحايا» فى ذات الوقت.
فهؤلاء «السائرون نياماً» – إذا استعرنا عنوان رواية الأديب العظيم الراحل سعد مكاوى – يعانون من التهميش السياسى والاقتصادى والحرمان الاجتماعى والخواء المادى والمعنوى والبطالة والأمية ورداءة التعليم وسوء المعاملة فى كل المرافق العامة، وحياتهم مسلسل متصل من الإحباطات والانكسارات والهزائم.
ولذلك فإن الفوز فى مباراة كرة قدم أصبح المناسبة الوحيدة التى يراودهم فيها الحلم بأن يذوقوا طعم النصر فى أوطان خاصمت الانتصارات منذ سنوات وعقود.
ومن هنا تحولت كل مباراة كرة قدم فى عالمنا العربى إلى ما يشبه المعركة الحربية، وأصبح الفوز فى «اللعبة» هو التعويض النفسى عن الانتصار السياسى والاقتصادى والحضارى والعلمى الغائب.
وللأسف الشديد فإن كثيراً من وسائل الإعلام العربية أصبحت تلعب دور «المنوم المغناطيسى» لهؤلاء الملايين من.. «السائرون نياماً».
وفى حالة المباراة الأخيرة – نقصد الموقعة الحربية – بين مصر والجزائر قامت كثير من وسائل الإعلام الجزائرية والمصرية بدور خطير فى تهييج الناس وخلق حالة من الهستيريا والعصبية الجماعية حتى لم يعد هناك موطئ قدم للتفكير العاقل والرشيد، بل استطاع الإعلام الرياضى – أو معظمه على الأقل – أن ينشر حالة من الجنون فى مصر والجزائر، كما لو أن «شياطين الفتنة والعفاريت قد خرجت من الفانوس السحرى للكرة». والأخطر أنه أصبح من المستحيل إعادتها إلى الفانوس المسحور مرة أخرى، بل هذه الشياطين – كما تقول الروائية الجزائرية الشهيرة أحلام مستغانمى – «أصبحت بعدد سكان الجزائر ومصر.
مائة وثلاثون مليون عربى خرجوا عن طورهم، كأن سداً عالياً انهار وتدفقت كميات هائلة من المياه لتجرف فى طريقها كل جزائرى وكل مصرى إلى الجنون. فيوم كانت لنا قضايا كبرى، كانت الكرة مجرد طابة تتقاذفها الأقدام. أما اليوم فإننا نضخم الأشياء الصغيرة بعد أن صغر ما كان كبيراً فى حياتنا..
ولو أن هذه المقابلة الرياضية دارت فى زمن عبدالناصر لرفع كل شعب أعلام الشعب الآخر، ولأهدى كل فريق نصره للفريق الثانى. ولكن زمن القومية ولّى والمؤامرة أكبر من أن نعيها لأنها داخلنا، ولأننا وقودها، وبإمكان إسرائيل أن تتفرج علينا الآن.. وقد غدونا العدو البديل لبعضنا البعض».
لذلك عدلت «أحلام» عن قرارها بالذهاب إلى «أم درمان» لمشاهدة المباراة. وعندما سئلت عن سبب تغيير رأيها قالت: «لأننى لا أريد أن أكون هناك حين يخسر أحد الفريقين. فأياً كان الخاسر فإن لى قرابة معه. وأياً كان الرابح فإن عليه أن يتقاسم فوزه مع إسرائيل التى حققنا لها فى أيام أمنيات تتجاوز أحلامها الأبدية منذ نصف قرن، فما جدوى أن تكسب كأساً.. إن كنا سنخسر بعضنا البعض لزمن طويل».
لا يا «أحلام».. لم نقرأ شيئاً لأننا كنا – ومازلنا – مشغولين بالمباراة الفاصلة، ومن قرأ تظاهر بأنه لم يقرأ كى يهرب من استحقاقات فهم من قرأه، وأول وأبسط هذه الاستحقاقات هو ترتيب الأولويات والتمييز بين التناقض الرئيسى والتناقضات الثانوية، والتفرقة بين المهم والأهم.
لكن هذا يندرج تحت عنوان «العقلانية»، بينما نجح تحالف خصوم العقلانية فى اختطاف الأوطان بسبب هذه المباراة الملعونة.
هذا الحلف غير المقدس – الذى يقوده بعض نجوم الإعلام الرياضى وإعلام الإثارة – نجح أولاً فى تحويل مباراة كرة قدم إلى معركة حربية.
ونجح – ثانياً – فى تهييج مشاعر «المتفرجين» فى البلدين، سواء ببث الشائعات أو ترويج أنصاف الحقائق أو ثقافة الكراهية والأفكار العنصرية والشوفينية.
ونجح – ثالثاً – فى التأثير ليس فقط على ملايين البسطاء وإنما أيضاً على الدوائر السياسية والرسمية. وبدلاً من أن يقوم الرسميون ورجال الدولة فى البلدين بتنقية الأجواء من خلال مبادرات جدية وتدارك الأمور قبل أن تخرج من السيطرة نجح حلف التهييج فى «جر رجل» الدولتين إلى الدوامة الجهنمية للسجال والتلاسن.
لذلك.. عندما جاء موعد المباراة الفاصلة على أرض «المريخ» كانت الأمور قد وصلت إلى ذورة الاحتقان ونقطة اللاعودة. وبينما كان كثير من وجهاء القوم يفركون أيديهم فى انتظار النصر الذى تم شحن الملايين من البلدين من أجله وتصويره على أنه أصبح أقرب من حبل الوريد، كان العقلاء القلائل – فى البلدين – يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً من أن تتحول المباراة إلى كارثة، بل إن الخبير الأمنى المصرى البارز اللواء فؤاد علام حذر – قبيل المباراة الفاصلة – من حدوث أعمال عنف منفلتة ونشوب مواجهات دامية بين مشجعى الفريقين المصرى والجزائرى.
وقبل أن نتنفس الصعداء لأن المباراة مرت بسلام – رغم هزيمة الفريق المصرى – وقع الفأس فى الرأس وحدث ما حذر منه اللواء فؤاد علام، بل حدث ما هو أسوأ، حيث اندلعت «حرب الشوارع» ومطاردة مشجعى الفريق المصرى وإيذائهم مادياً ومعنوياً بصورة همجية.. وأصبحت صورة «الأشقاء» العرب قبيحة فى العالم بأسره أكثر مما هى قبيحة ومشوهة سلفاً!
ولا نعرف إلى أين تقودنا شهوة الانتقام هذه أو ما هو هدفها وما هى نهايتها.
صحيح أن من حق المصريين أن يغضبوا بعد ما ارتكبه الآلاف من مشجعى الفريق الجزائرى من جرائم همجية ضد المصريين فى أم درمان. وصحيح أن من حق المصريين أن يغضبوا أكثر لصمت الدولة الجزائرية على هذه التجاوزات والتصرفات الإجرامية، إن لم يكن تشجيع بعضها رسمياً.
لكن الأمانة تقتضى منا الاعتراف بأن الكثير من وسائل إعلامنا افتقر إلى المهنية والنزاهة والموضوعية والدقة فى تناولها لهذه الكارثة. وأن الكثير من ردود أفعالنا اتسم بالمبالغة الشديدة، والوقوع فى خطأ «التعميم» الذى لا يليق ولا يجوز.
ويجب أن نسأل أنفسنا اليوم قبل الغد: وماذا بعد؟ هل ننساق وراء تحالف التهييج الذى اختطف الأوطان طيلة الأسابيع الماضية، ونواصل التصعيد وتأجيج نيران الكراهية وهدم جسور شيدناها معاً بالدم والعرق والكفاح ورفقة السلاح عبر عشرات السنين.
وهل نترك مباراة كرة قدم تنسف مصالح مشتركة، فى السياسة والاقتصاد، حفرنا فى الصخر من أجل إنجازها.
هذه التساؤلات ليست دعوة للتفريط فى كرامة أبنائنا أو التنازل عن حقوق المصريين التى انتهكها عدد يزيد أو يقل من الجزائريين المهووسين فى «أم درمان» وفى الجزائر العاصمة بل هى بالأحرى دعوة للدفاع عنها والتمسك بها..
 لكن بالعقل ودون الانزلاق إلى الشعب الجزائرى بأسره، ودون أن ننسى أن الحفاظ على كرامة المصريين يبدأ فى الداخل قبل الخارج، فضلاً عن أن كرامة المصريين ليست شعاراً أجوفاً وإنما هى مسألة لها «لزومياتها» السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى سائر أنحاء الوطن وليس فقط على أرض المريخ وملاعب الكرة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.