ماذا كانت خسائر مصر عام 1967؟ خسرت سيناء وقد أعيدت بالحرب ثم بالسلم، دمر الجيش وأعيد بناؤه بعد أقل من ست سنوات، قتلى وجرحى يقعون بأعداد أكبر فى حوادث السيارات على الطرق العامة، فماذا كانت الخسارة الحقيقية؟ إنها الخسارة المعنوية، إنها الصفعة، الصفعة التى تلقتها مصر وقد كانت تظن نفسها فى أوج قوتها العسكرية والسياسية وقائدة العرب، فكانت هزيمتها السهلة المخزية صفعة تلقتها مصر، ردت حرب أكتوبر جزءاً منها ولعل آثاراً لها مازالت باقية حتى اليوم. صفعت مصر مجدداً، لم تصفع بهذه القسوة منذ 5 يونيو 1967، الصفعة هى الصفعة، ليس المقصود بها خسائر مادية، لا يهم أن تكون بها خسائر بالأرواح، ليست بخسارة الأرض، الصفعة هى الصفعة المعنوية، لم يقتل مصرى واحد ولم نخسر أموالاً، ولكنها الإهانة والصفعة من الأقل للأكبر، أهين الكبير صاحب الحضارة والمدنية من الصغار والهمج، هذه هى القضية. كيف كانت الصفعة؟ العلم المصرى يحرق ويداس بالأقدام أمام فندق المصريين بأم درمان تحدياً للمصريين دون أن يجرؤ مصرى أن ينزل وينقذ علم بلده أو يحرق بدوره علم بلدهم أخذاً بمبدأ العين بالعين، كانت الأعداد هائلة وكانت الأسلحة مشرعة ضد المصريين العزل، وبعد فوزهم بمباراة الكرة وبعد ضربهم للمصريين عادوا ووضعوا العلم المصرى فى الشوارع الجزائرية ومروا عليه بالسيارات ودهسوه بالأقدام مجدداً وكأن غليلهم لم يشف بعد من مصر. توعدوا المصريين بالضرب وحققوا نهارا جهارا ما توعدوا به، بل هو ضرب يكاد يصل إلى الشروع فى القتل بالأسلحة البيضاء والحجارة الكبيرة، هذا غير الاستاد وما جرى فيه من إهانة وتحد للمصريين، فى بلدهم دمروا مكاتب مصر وشركاتها وأحرقوها ونهبوها، المصريون فى الجزائر محاصرون، وحاولت شركة أوراسكوم إعادة بعضهم فرفضت الجزائر السماح لهم بالخروج، ومازال المصريون محاصرين. هل كانت مجرد مباراة كرة قدم وتعصب مشجعين ومسألة عارضة تعالج بضبط النفس والترفع عن الصغائر؟ لا بل إهانة مدبرة وحرب معلنة وخطة مرسومة كالآتى: المساجين أخرجوهم من السجون وشحنوا بهم الطائرات باعتبارهم الأكثر إجراما، المشجعون اختيارهم كان يراعى فيه الشباب صغير السن القادرون على الاشتباك، وسيلة النقل طائرات حربية، هذه جريمة دولية مدبرة بفعل الدولة الجزائرية، ثم تظافر الجميع: إعلامياً يريدون منع الأفلام والمسلسلات المصرية، بخلاف السب المتواصل وبث الأحقاد على مصر والمصريين، سياسياً سخرت كل إمكانيات الدولة لهذه الجريمة ووزير الإعلام وجه التحية للجمهور الجزائرى على أدائه «بعد» المباراة، مالياً طلبت الجزائر فجأة من شركة أوراسكوم التى حطموها ونهبوها متأخرات ضرائب ظهرت فجأة 600 مليون دولار، هكذا فجأة وفى هذا التوقيت! شعبياً كلهم على قلب رجل واحد حقداً وغلاً على مصر ومباركة لما حدث. فماذا بقى؟ يونيو 1967، نوفمبر 2009، الخسائر المادية لا مجال للمقارنة، لكن الصفعة هى ما تكرر حدوثه، يجوز بدرجة أقل لكنها حدثت، حتى بكى أمامى فقط أكثر من ستة مشاهير على الهواء مباشرة، هذا البكاء له معنى، داخلهم شىء ما كُسر، أياً كانت خسائرنا فى الأربعين سنة الماضية، هى كل عمرى، لم أر المصريين يبكون بهذا الانكسار من قبل. أهينت مصر وإذا لم ترد الإهانة بقوة وبقسوة فالعواقب النفسية على بلدنا مصر ستكون وخيمة.