أثناء الحرب العالمية الثانية اندهش الجنود الأمريكيون من شبكة الطرق الهائلة والرائعة التي كانت ألمانيا قد أقامتها أثناء الحكم النازي وجعلتها ليست فقط قادرة علي نقل الجنود والعتاد بسهولة ويسر وسرعة وإنما أيضا خلقت ظرفا مثاليا لربط الدولة ببعضها البعض وفي نفس الوقت أتاحت للتجارة الداخلية فرصا لم تكن متاحة لها من قبل. وببساطة أصبحت لدي هتلر سوق ألمانية واحدة معبرة عن الأمة الألمانية, وكان هذا واحدا من أهم الدروس التي تلقاها دوايت إيزنهاور القائد العام للقوات التي كانت عليها هزيمة النازية, ثم بعد ذلك رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومن البيت الأبيض بدأ إيزنهاور في نقل تجربة الأتوبان الألماني إلي أمريكا حيث جري ربطها طولا وعرضا بشبكة هائلة من الطرق التي تعمق السوق الأمريكية من ناحية, وتجعلها بالفعل أمة موحدة من ناحية أخري. ولم يكن ذلك جديدا بالمرة علي الولاياتالمتحدة التي كانت طرق القوافل هي التي بدأت فيها طريق المستعمرات التي نقلت السكان والمهاجرين من المحيط الأطلنطي إلي المحيط الهادي, كما كانت السكك الحديدية هي التي وفرت سبلا للاتصال ونقل البضائع وإقامة المدن لم تكن متاحة من قبل. ولكن الأتوبان الألماني كان الأكثر سرعة, والأفضل تواؤما مع السيارة التي عشقها الأمريكيون كما لم يعشقوا اختراعا آخر; وكما قال لي أحد الأمريكيين ذات مرة إن السيارة هي تعبير عن حريتي وقدرتي علي الانتقال من مكان إلي آخر. وربما كان الأمريكيون هم أول من حولوا السيارة إلي منزل, وجعلوا للمساكن السيارة محطات دائمة لمن يريد أن يعيش علي عجلات متحركة وقتما يريد ويرغب. ومن ألمانيا إلي أمريكا إلي مصر, فإن موضوع الطرق يقع في قلب عملية التنمية المصرية وبدونها لا يتم إدراك مساحة مصر التي تبلغ مليون كيلومتر مربع, ولا يمكن إدراك حجم الحاجة إلي ربط السوق المصرية, وتحقيق الاختراق المصري للمساحات الشاسعة غير المأهولة بالسكان والبضائع والنشاط الإنساني. ولكن الأمر, بقدر ما يشير إلي الحاجة الماسة لإضافة طرق دولية الشروط إلي ما هو قائم, فإنه تنبغي حماية الطرق القائمة. إن هناك تقديرات تشير إلي أن عدد القتلي المصريين علي الطرق بين عامي1990 و2006 بلغ338914 قتيلا, وبلغ عدد الجرحي في الفترة نفسها379233 مصابا, بما يتجاوز دماء القتلي والجرحي المصريين المشاركين في حروبها المختلفة, وتستنزف في العام الواحد11 مليار جنيه مصري, وهو ما يشير إلي أن مصر تقع ضمن الدول الأكثر حوادث في العالم بل إن هناك من يضع مصر في المرتبة الأولي بين35 دولة في العالم في نسبة عدد ضحايا المرور, بنسبة156 حالة وفاة لكل100 ألف مركبة, وفي المقابل72 حالة بتركيا, و28 باليونان و13 حالة بإيطاليا, فيما سجلت سويسرا8 وفيات فقط لكل100 ألف مركبة. ويضع تقرير آخر صدر عن منظمة الصحة العالمية مصر في المرتبة الثانية من حيث وفاة41 حالة لكل100 ألف من السكان ولا يسبقها سوي المملكة العربية السعودية بمعدل49 وفاة لكل100 ألف من السكان, وفي أفغانستان39 شخصا وفي تونس34.5 شخص. أما الدول الأوروبية الغربية فقد سجلت نسبا منخفضة, بحيث بلغت نسبة حوادث الطرق في إيطاليا9.6 شخص, وفي ألمانيا9 أشخاص وفي فرنسا7.5 شخص وفي سويسرا4.9 شخص لكل مائة ألف من السكان. وهناك تقديرات بأن1.2 مليون مواطن يلقون مصرعهم بخلاف إصابة أو إعاقة ما يقرب من50 مليونا نتيجة حوادث الطرق علي مستوي العالم, وأن العدد سوف يصل إلي2.4 مليون بحلول عام2030, وأن هناك ما بين20 إلي50 مليون مصاب نتيجة الحوادث سنويا, وأن العالم يتحمل100 مليار دولار نتيجة هذه الحوادث, وأن26 قتيلا يوميا هو متوسط أي دولة فقيرة, وأن ضحايا الحوادث أكثر من ضحايا الحروب العالمية. وتشير تقديرات أخري إلي أن المنطقة العربية بمفردها تشهد40 ألف حالة وفاة سنويا, منها60% من الشباب وإن80% من حوادث الطرق ترجع إلي مخالفات قائدي السيارات. وصدر تقرير حديث عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن عام2009, وجاء فيه أن ضحايا حوادث الطرق في مصر ثمانية عشر شخصا يلقون حتفهم يوميا, وأربعة مصابين كل ساعة. فقد بلغت حوادث السيارات23 ألفا بنسبة زيادة قدرها8.9% عن العام2008, مع حدوث ارتفاع في حوادث الطرق السريعة بنسبة22% من الإجمالي لتصل إلي5014 حادثا سنويا, ويبلغ المعدل اليومي62 حادثة خلال عام2009 مقابل57 في عام2008, ويبلغ المعدل2.6 حادث كل ساعة. وقد بلغت نسبة حوادث الطرق لعدد الأشخاص حوالي ثلاثة لكل عشرة آلاف شخص, مقابل أربع حوادث لكل ألف سيارة. ويضيف التقرير بشأن الأسباب المؤدية لتلك الحوادث أن العنصر البشري مسئول عن حوادث الطرق بنسبة68% المتمثل في السلوكيات الخاطئة وعدم تنفيذ تعليمات المرور والسرعة الزائدة والتجاوز الخاطئ أو ما يسمي بجنون القيادة والوقوع تحت تأثير المخدر فضلا عن انشغال قائدي السيارات بإعلانات الطرق والتحدث في المحمول أو الاستماع إلي الكاسيت وعدم الالتزام بساعات قيادة محددة, حيث إن هناك حقيقة علمية تقول إن كل خمس ساعات قيادة تقابلها ثماني ساعات راحة للسائق. ولم يكن غريبا أن تكون واحدة من الظواهر الشائعة في حوادث الطرق النوم أثناء القيادة. ويمثل انفجار الإطارات21% من تلك الحوادث, بينما مثلت حالة الطريق نسبة لا تتعدي7% وتتحمل عيوب السيارات2% من الحوادث, فضلا عن سوء حالة الطرق السريعة وعدم صيانتها حيث تخلو هذه الطرق من الخدمات الأولية والإرشادية. وتؤكد دراسات المرور أن90% من حوادث الطرق متكررة, والتي يطلق عليها البؤر السوداء. في حين تشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلي أن نسبة حوادث الطرق ارتفعت بنسبة10% بسبب زيادة عدد السيارات إلي6 ملايين سيارة. وعلي الرغم من زيادة الحوادث, يشير التقرير إلي تراجع الوفيات إلي6486 سنويا. كما تراجع عدد المصابين إلي35428 مصابا عام2009 مقابل35718 في عام2008, كما تراجع معدل مصاب/يوم في عام2009 إلي79.06 مقابل97.85 في العام السابق له. وهناك تفسير لانخفاض معدلات الإصابة وحدوث الوفاة, بأنه قد تمت زيادة مراكز الإسعاف إلي1035 علي الطرق, في حين زادت عربات الإسعاف إلي2713 خلال عام2009 علي مستوي محافظات الجمهورية. وللمقارنة فإنه فيما يتعلق بحوادث القطارات في مصر, يشير التقرير إلي أنها زادت بنسبة22% لتصل إلي1577 حادثا خلال العام2009, ويستحوذ الوجه البحري والدلتا علي الجانب الأكبر منها بنسبة40% بواقع644 حادثا, وكانت محافظة القاهرة هي الأقل بمعدل388 حادثا بنسبة24.6% من إجمالي المحافظات الأخري. وتسلط دراسات أخري الضوء علي حوادث المقطورات التي تمثل39% من إجمالي الحوادث علي الطرق في إحدي الدراسات. إضافة إلي ما سبق, فقد أعدت لجنة الإنتاج الصناعي والطاقة بمجلس الشوري تقريرا خلال عام2010, وخلصت إلي أن ثمة كارثة مرورية تنتظر مصر بعد عشر سنوات, حيث إن هذه الحوادث تقتل7 آلاف مواطن سنويا إضافة إلي أضعاف هذا الرقم من المصابين, وتؤدي إلي إتلاف18 ألف سيارة. والجدير بالذكر أن عدد السيارات التي تدخل القاهرة من16 منفذا يصل إلي1.2 مليون سيارة يوميا. وأكد التقرير أن الطرق المصرية صنفت ضمن الأقل كفاءة في العالم, ويتكلف إنشاء الكيلو متر الواحد من3 إلي4 ملايين جنيه. كما أن احتياجات الصيانة تقدر ب7 مليارات جنيه سنويا علي مدي عشر سنوات في حين أن المتاح منها200 مليون جنيه سنويا أي ما يقارب30% من الاحتياجات فقط. إن كل ذلك يفرض نظرة تنموية جديدة لقضية الطرق في مصر, فما نراه فضلا عن كل الأسباب القائمة, يشير إلي حقيقتين: الأولي أن الطرق القائمة في مصر ليست كافية للاحتياجات التنموية القائمة; والثانية أننا نحتاج إلي مزيد من الطرق المنفتحة علي مساحات جديدة من أرض مصر, تفرج عن الاختناق الحالي للطرق المصرية وتعطيها خلاصا علي مناطق شاسعة. ومن يرد أن يعرف أسباب ذلك بالإضافة إلي تجنب كل المصائب السابقة فإن عليه أن يقرأ المقال من أوله ويطلع علي التجربتين الألمانية والأمريكية. موضوع الطرق يقع في قلب عملية التنمية المصرية وبدونها لا يتم إدراك مساحة مصر التي تبلغ مليون كيلومتر مربع,ولا يمكن إدراك حجم الحاجة إلي ربط السوق المصريةوتحقيق الاختراق المصري للمساحات الشاسعة غير المأهولة بالسكانأعدت لجنة الإنتاج الصناعي والطاقة بمجلس الشوري تقريرا خلال عام2010, وخلصت إلي أن ثمة كارثة مرورية تنتظر مصر بعد عشر سنوات,يث إن هذه الحوادث تقتل7 آلاف مواطن سنويا إضافة إلي أضعاف هذا الرقم من المصابين, وتؤدي إلي إتلاف18 ألف سيارة [email protected]