الدولة العظمي الولاياتالمتحدة أبدت تحفظات علي المعركة الانتخابية التشريعية التي تجري حالياً في مصر! سمعنا وزيرة الخارجية »هيلاري كلينتون« تحثنا علي الالتزام ب »نزاهة« الانتخابات! ليس هذا فقط.. بل سارع متحدث باسم البيت الأبيض الذي يقيم فيه الرئيس الأسمر، وأصدر تصريحاً أكثر تصميماً من السابق، كشف فيه عن شكوك جدية للإدارة الأمريكية في »سلامة« العملية الانتخابية المصرية! وأضاف مطالباً ب »موافقة الحكومة المصرية علي استقبال ممثلي المجتمع المدني الدولي وتسهيل تنقلاتهم وتحركاتهم في جميع دوائرنا الانتخابية من سيناء إلي حلايب «! لن أكرر ما قاله، أو كتبه، العديد من المسئولين والكتاب الصحفيين في ردودهم علي »بجاحة« أولي الأمر في العاصمة الأمريكية واشنطون، ومحاولتهم التدخل في أدق الشئون الداخلية لدولة أخري مصر المفروض أنها دولة »صديقة« و »حليفة«.. كما تعود الرؤساء الأمريكيون علي وصفها بمناسبة وبدون مناسبة! يكفينا هنا الرد غير المباشر الحاسم ، والحازم بلسان الرئيس حسني مبارك في خطابه الأخير أمام اللجنة العليا للحزب الوطني مؤكداً فيه علي أن »الانتخابات ستتم بمتابعة المجتمع المدني المصري«، وهو ما يعني كما فسّر السيد صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني »إن مصر ترفض أي تدخل خارجي في عمليتها الانتخابية، وليس هناك مجال لمن يرددون الأقاويل لفرض رقابة دولية عليها لأن ذلك يمثل تدخلاً في الشأن الداخلي المصري وهو ما نرفضه بالقطع«. الموقف الأمريكي من الدول »الصديقة«، و»الحليفة« قد يكون فجاً، لكنه في الوقت نفسه ليس بالغريب علي ما آلت إليه الآن أقوي دولة في العالم. ولا أجد مثالاً قاطعاً علي تلك الغرابة أكثر مما يثار حالياً في الولاياتالمتحدة حول »تجديد وإحلال« سككها الحديدية، المتهالكة، وأوقعت الإدارة الأمريكية في أزمة مع إحدي أهم الدول الأوروبية، الصديقة والحليفة معها! قبل الحديث عن تلك الأزمة، استسمحك عزيزي القاريء في مقدمة أراها ضرورية، ومتلازمة مع ما سنتابعه بعدها: خلال الحرب العالميةالثانية سقطت العديد من الدول الأوروبية تحت حكم ألمانيا النازية. وحكم بمثل تلك الوحشية نجح في السيطرة علي الدول والشعوب المحتلة بكل وسائل القمع والقهر والتعذيب والتصفيات الجسدية الجماعية: حرقاً وخنقاً ودفناً بلا تفرقة بين أموات وأحياء! مئات الكتب، وعشرات الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية، نقلت إلينا جيلاً بعد آخر نماذج من روايات وحكايات إلغاء الحكومات الأوروبية وقهر شعوبها بأيدي وأوامر المحتل الألماني وبواسطة عشرات الآلاف من عملاء ال (SS) المخابرات الهتلرية الذين أحكموا قبضتهم علي المواطنين لدرجة أن البعض منهم كان يظن أن الألمان علي علم بكل ما يفعله ويقوله أو حتي يفكّر فيه! منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ، وإلي اليوم وغداً، لا هم لمؤسسات صهيونية في أمريكا وأوروبا غير تذكير الكرة الأرضية بأهوال تلك المحارق التي راح ضحيتها ملايين اليهود، دون الإشارة بكلمة أو صورة للضحايا الآخرين غير اليهود! ولم يكتف الصهاينة بالتذكير الدائم بجرائم النازية ضد اليهود وحدهم (..) وإنما جندوا معظم حكومات الدنيا لتسهيل البحث والتنقيب عن فلول النازيين الذين تمكنوا من الهرب من ألمانيا وأقاموا خارجها بهويات مزورة واصطيادهم الواحد بعد الآخر وتقديمهم إلي المحاكم. ولعب جهاز المخابرات الإسرائيلية: »الموساد« ولا يزال يلعب دوراً بارزاً في عمليات تقصي المعلومات، ورصد الدول، وتحديد المدن والقري، التي يتخفي فيها من يُعتقد أنهم من بقايا النازيين الذين أشعلوا بأيديهم نيران المحرقة، أو حتي الذين لم يشعلوا عود كبريت واحداً فيها وإنما علموا بها ولم يعترضوا أو ينددوا. هؤلاء وأولئك تعرضوا لحملات تفتيشية مستمرة أسقطت البعض في أيدي عملاء الموساد، وأجبرت البعض الآخر علي الهروب إلي بلاد أخري واستخدام هويات غير تلك التي عرفوا بها خلال العقود العديدة الماضية! معلومات قديمة، معروفة، ومكررة ملايين المرات، لكنني اضطررت إلي تكرار بعض حواديتها لأمهد بها لموضوع اليوم الذي يثبت كيف أن »اللوبي الصهيوني« يحكم ويتحكم، فعلاً لا زعماً، في إدارة أقوي وأغني دولة في العالم الولاياتالمتحدةالأمريكية خاصة عندما يتعلق الأمر من قريب أو بعيد ب »محرقة اليهود« رغم مرور أكثر من ستين عاماً علي تمام إخمادها، وإطفاء أصغر شراراتها! دليلي علي ذلك.. أن الولاياتالمتحدة أعلنت منذ فترة عن رغبة بعض ولاياتها في تلقي عروض من كبريات المصانع العالمية للحصول علي احتياجاتها لمشروع تزويد سككها الحديدية بأحدث القطارات ذات السرعة الفائقة. المعروف أن فرنسا تعتبر رائدة في تلك الصناعة. ولديها القطار المعروف باسم:(TGV) الذي أحدث آنذاك ثورة في صناعة القطارات شكلاً، وأناقة، و راحة، والأهم: سرعته الفائقة التي تبتلع آلاف الكيلومترات في ساعات قليلة، بدلاً من أيام كاملة تحتاجها القطارات العادية والتقليدية. اليابان أيضاً لها باع طويل في تطوير قطاراتها التي تنطلق بسرعة مئات الكيلومترات/ساعة، وتجري بنعومة وسيولة وسهولة علي مراتب هوائية. وظهرت تباعاً نماذج مشابهة، علي هدي الريادة الفرنسية واليابانية، في بعض الدول الأخري، لكن ولايات أمريكية مثل: كاليفورنيا، و فلوريدا أبدت اهتماماً كبيراً بالقطار الفرنسي الشهير: »تي جي في«، الذي حظي بتأييد معظم الخبراء المتخصصين. وكم كانت سعادة السكك الحديدية الفرنسية بتقرير الخبراء الأمريكيين وتفضيلهم إرساء المناقصة الخاصة بصفقة القطارات فائقة السرعة تقدر بمئات المليارات من الدولارات علي ال »تي جي في«. وأيد حاكم ولاية كاليفورنيا الممثل السينمائي، بطل كمال الأجسام الشهير، والنمساوي الأصل: »أرنولد شوارتزينجر« هذا الاتجاه، مما زاد من فرصة اختيار العرض الفرنسي. وفجأة.. فوجئت فرنسا بأن الصفقة لن تمر مرور الكرام، وإنما هناك عقبة هائلة قد تعوقها عن الفوز بها. المدهش أن هذه العقبة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بعيوب فنية في تصميم قطار ال (تي جي في)، كما أن العرض الفرنسي لا يزيد ولا يقل كثيراً جداً عن باقي عروض الدول المنافسة.. حتي يمكن التفضيل بينها واختيار أرخصها! ولم يتأخر الكشف عن »العقبة« التي أفزعت شركة السكك الحديدية الفرنسية، وتطلبت قيام رئيس مجلس إدارتها »جيوم بيبي« برحلات مكوكية إلي واشنطون، وفلوريدا، وكاليفورنيا، أملاً في التوصل مع المسئولين الأمريكيين إلي اتفاق يرضي كل الأطراف : المعنية، وغير المعنية معاً. كانت صدمة الجانب الفرنسي هائلة عندما قيل له أن تجميد الصفقة لم يأت بقرار من الحكومة الفيدرالية، ولا من حكومات الولايات المعنية، وإنما يُسأل عنه »اللوبي الصهيوني« الحاكم والمتحكم في أي شيء وكل شيء داخل الدولة العظمي التي تتباهي بسيادة الشعب فوق أرضه، وبالديمقراطية التي ما بعدها ولا قبلها، وبسيادة القانون المفروضة علي الجميع من العبد إلي الرئيس بصرف النظر عن اختلاف الديانات، والثقافات، والآراء، والتوجهات! بعد السؤال، والبحث، والتنقيب عثر الفرنسيون علي السبب وراء تجميد صفقة القطارات مع ولايتين أمريكيتين. تبين أن »اللوبي اليهودي« أبدي اعتراضاً شديداً علي التعامل مع السكك الحديدية الفرنسية، لأن هذا التعامل يعني أن الشعب الأمريكي كله قد سامح فرنسا علي ما ارتكبته شركة ومصانع قطاراتها ضد اليهود، ولعبت خلال الحرب العالمية الثانية دوراً رهيباً في مساعدة ومساندة النظام النازي علي تهجير اليهود ونقلهم داخل عربات قطاراتها إلي أماكن المحارق التي أنشأها »هتلر« للتخلص من اليهود حرقاً بالنار، وخنقاً بالغاز السام! أبدي الفرنسيون استغرابهم الشديد من هذا الاتهام الذي لا أعتقد أن دولة أخري في العالم ووجهت بمثله من قبل. ورد ممثلو الشركة بأن فرنسا كانت آنذاك تحت حكم الاحتلال النازي الذي سيطر علي كل شيء وأي شيء في البلاد. وكانت المرافق والمصانع تدار تحت إشراف ورقابة ضباط جهاز ال (SS) خاصة السكك الحديدية التي استخدمتها قوات الاحتلال في نقل كل ما تختاره من منتجات مصانعها ومتاجرها إلي ألمانيا. حتي المتاحف الفرنسية لم تسلم من أعمال السلب، والنهب، التي تعرضت لها معروضاتها من بين مئات اللوحات الفنية لمشاهير الفنانين العالميين، وتم شحنها تباعاً في عربات قطارات خاصة توجهت إلي العاصمة الألمانية برلين لتزيين مداخل وصالونات فيلات وقصور كبار القادة النازيين! هذه الحقائق كلها وغيرها لا يمكن للفرنسيين ولا الألمان إنكارها. فهي معروفة ومسجلة في عشرات الآلاف من الوثائق التي اعتمد عليها مؤلفو مئات الكتب التي أرّخت لسنوات الحرب، ولفترة إحتلال ألمانيا النازية لفرنسا.. بصفة خاصة. لم تستطع فرنسا حكومة وشعباً منع جرائم الحرب التي ارتكبها المحتل الألماني. والحال كان نفسه في باقي الدول الأوروبية التي سقطت تحت نفس الاحتلال. فلماذا تتعرض فرنسا وحدها للعقاب علي عمل قامت به إحدي شركاتها رغماً عنها، وتحت تهديد سلاح المحتل الجبار؟! وجاءت الإجابة عبر أبواق اللوبي اليهودي تؤكد أن كل دولة ساعدت النازي عمداً أو إجباراً في حرق وخنق يهود أوروبا، ستعامل نفس معاملة الشركة الفرنسية في حال تقدمها للحصول علي صفقة تجارية مشابهة مع الولاياتالمتحدة! معاقبة الدول الأوروبية الأخري لم يحن وقتها بعد. الوحيدة المعرضة للعقاب حالياً هي فرنسا. وعبثاً حاول »جيوم بيبي« رئيس الشركة إقناع الجمعيات اليهودية التي التقي ممثليها خلال زيارته الأخيرة لولايتي:كاليفورنيا وفلوريدا بأن كل المسئولين عن تسيير قطارات نقل اليهود الفرنسيين إلي المحارق النازية وكان يجب عليهم الرفض والمقاومة حتي ولو أدي ذلك إلي قتلهم ضرباً بالرصاص ماتوا وشبعوا موتاً. فما ذنب غيرهم الذين يعملون حالياً في مرفق السكك الحديدية، حتي يعاقبوا علي ما لم يرتكبوه؟! استنجدت الخارجية الفرنسية بنظيرتها الأمريكية لعلها تتحرك لمساندة الشركة في الخروج من الأزمة التي افتعلها اللوبي اليهودي لكن الخارجية الأمريكية اكتفت بالإنصات والتزمت الصمت. فالأمر علي ما يبدو فوق طاقتها، وخارج صلاحياتها! والتقي رئيس الشركة عدداً من نواب الكونجرس عن ولايتي كاليفورنيا وفلوريدا وانتهت الاجتماعات مع هؤلاء وأولئك بأن علي الشركة الفرنسية أن تصدر اعتذاراً علنياً عبر معظم وسائل الإعلام الأمريكية والفرنسية والعالمية يتفق مسبقاً علي صياغته عن »جريمة« مرفق السكك الحديدية الفرنسية في حق اليهود، خلال الحرب العالمية، لعل وعسي يساعد »الاعتذار« في إلغاء الحظر المفروض علي الشركة! ورجع رئيس الشركة إلي من هم أعلي منه في باريس، وتم الاتفاق علي الرضوخ وتقديم الاعتذار لليهود الأحياء، وشديد الحزن و الأسف لليهود المحروقين والمخنوقين! وبالفعل.. سارع »جيوم بيبي« بإصدار بيانه المنتظر، الذي عبر فيه عن » شديد أسف الشركة الفرنسية عن الدور الذي لعبته في مساعدة النظام النازي علي تهجير اليهود خلال الحرب العالمية الثانية«. ولم يكتف رئيس الشركة بذلك وإنما استشهد في بيانه بفقرة من خطاب ألقاه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في يوليو1995، بمناسبة إحياء ذكري حملة اعتقالات قام النازيون المحتلون بها واستهدفت اليهود، قال فيها: »إن هذه الساعات، والأيام السوداء تلطخ تاريخنا إلي الأبد، وتشكل إهانة لماضينا وتقاليدنا. نعم.. فقد ساعد فرنسيون الجنون الإجرامي للمحتل«. واختتم رئيس الشركة بيانه مقدماً خالص تعازيه وشديد ألمه لضحايا المحرقة، والناجين منها، وذريتهم الذين لابد أنهم تألموا بسبب الدور الذي لعبته السكك الحديدية الفرنسية منذ أكثر من ستين عاماً! ما قاله الرئيس السابق جاك شيراك عن »المحرقة، وضحاياها، واعترافه بالأخطاء التي ارتكبها فرنسيون لمساندة الجنون الإجرامي للمحتل النازي كان كافياً جداً في رأي الكثيرين لنيل احترام وتقدير اليهود، وأولهم من يُطلق عليه اسم »اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة«. شيء من هذا لم يحدث. فلا اليهود توقفوا منذ نهاية الحرب وإلي اليوم وغداً عن صب الزيت علي رماد المحرقة، لتظل مشتعلة في قلوب وعقول الدنيا كلها، ولا اللوبي الصهيوني في أمريكا قدر الاعتراف المبالغ جداً فيه للرئيس الفرنسي السابق ، بدليل موقفه الحالي من شركة السكك الحديدية الفرنسية التي جددت اعتذارها وأسفها وندمها علي ما أجبرت الشركة علي القيام به باستخدام قطاراتها لتهجير يهود فرنسا خلال سنوات الاحتلال النازي لبلادها! الأزمة بالتالي لم تنته.. والأزمة لن تنتهي. اللوبي اليهودي أوعز إلي النائب الديمقراطي في الكونجرس عن ولاية كاليفورنيا »بوب بلومنفيلد« ليتقدم بمشروع قانون يجبر كل الشركات المرشحة للحصول علي عقود في الولاياتالمتحدة، علي الكشف بالأدلة والوثائق وشهادات الشهود.. الأحياء منهم والأموات عن دورها في نقل الأسري اليهود خلال عامي 1942 و1944 . مشروع القانون أرسله النائب إلي حاكم الولاية »أرنولد شوارتزينجر« الذي ألقي به داخل درج مكتبه حتي إشعار آخر، أو لحين تحرك جديد ممن يحكم أمريكا حقاً وفعلاً من خارج البيت الأبيض، و بعيداً عن مبني الكابيتول، وفي غيبة باقي الأجهزة والمؤسسات الدستورية! حاكم ولاية كاليفورنيا، صاحب العضلات الهائلة، وبطل أفلام »الأكشن« الخيالية الذي يتصدي لخصومه في الأفلام ويقضي عليهم الواحد بعد الآخر في لمح البصر، وقف الآن حائراً، متردداً، أمام مشروع القانون . فهو شخصياً لا يقتنع به، لكنه في الوقت نفسه لم يجد الشجاعة لإعلان رفضه له واختار حلاً وسطاً لا يسعد اللوبي اليهودي، ولا يغضبه! نفس المأزق يواجهه حالياً حاكم ولاية فلوريدا. فقد أعلن نائب الولاية الديمقراطي »رون كلاين« عن انتهائه من صياغة مشروع بقانون مماثل، يجبر الشركة الفرنسية علي الاعتراف بالجريمة التاريخية التي ارتكبتها في الأربعينيات من القرن الماضي، من جهة، ويفترض علي باقي الشركات المنافسة الكشف عن مواقفها من تهجير اليهود ونقلهم إلي المحارق والمخانق! كانت هذه حكاية من حكايات يصعب حصرها أمريكا.. كما لا نعرفها. أقوي دولة في العالم تقف صاغرة أمام أقلية تافهة العدد، نجحت في تبني نفوذ قاهر تبطل به أي تحرك حكومي، دستوري، قانوني، تتصوّر أنه يهدد كيانها في البلاد، أو يمس كيان مثيلاتها من الأقليات اليهودية في أوروبا. وما أسهل الحكم علي ما سمعناه، وقرأناه. والأقوي في رأينا أن نسمع آراء أمريكيين متميزين عقلاً، وفكراً، وحياداً فيما جري ويجري في بلادهم. اخترت هنا واحداً من هؤلاء، هو المفكر والروائي :»Don Delill« 74عاماً الذي يعتبر واحداً من بين أكثر المفكرين والروائيين الأمريكيين تأثيراً وانتشاراً. ورغم شهرته الكاسحة إلاّ أنه عادة لا يدلي بأحاديث صحفية. ولا ينزل ضيفاً دائماً ولا نادراً علي برامج الحوارات التليفزيونية . فمن رأيه أنه لا يحتاج إلي الحديث عن نفسه، تاركاً هذه المهمة للكتب التي يصدرها تباعاً. في الأسبوع الماضي تخلّي »دون ديليللو« عن عادته، و وافق علي أن يدلي بحديث لإحدي المجلات الفرنسية » Le Point« كشف فيه بدقة فائقة عن الوجه الحقيقي لأمريكا.. كما لم نعرفها! الصحفي الفرنسي: »ميشيل شنيدر« بادر الكاتب الأمريكي الشهير بسؤال: » أول رواية أصدرتها كانت بعنوان »أمريكانا« عام 1971 واليوم.. كيف تري أمريكا؟«. وأجاب الروائي الكبير »Don Delill«، قائلاً: »لم تعد الولاياتالمتحدة تمثل حلماً للمهاجرين إليها. الحلم الأمريكي أصبح كابوساً مخيفاً بالنسبة للذين يحاولون العيش في عالم أكثر خطراً، وفي بلد تزداد جنوناً علي جنون«. أبرز مثال علي ذلك في رأي الروائي الحرب التي شنتها أمريكا علي العراق. وقتها وقف المجتمع الأمريكي كله مؤيداً لها، بعدما نجحت إدارته في إطلاق كذبة لقيت تصديقاً في طول البلاد وعرضها، لأن الجميع كانوا آنذاك في حاجة لتصديق أي شيء أملاً في إعادة ترميم صورة أمريكا الأليمة، وقوتها الجريحة.. بعد هجمات 11سبتمبر 2001 . ويضيف الروائي الأمريكي قائلاً: »إن الحرب علي العراق لم تكن خطأ فقط ، وإنما هي جريمة ارتكبها: »تشيني/ رامسفيلد« نائب الرئيس الأمريكي السابق، ووزير الدفاع الأمريكي الأسبق بعدما أقنعا الشعب بأن الولاياتالمتحدة مهددة من دولة تملك أسلحة دمار شامل! وهكذا تماشينا مع حرب خيالية، و ضد عدو ليس موجوداً، ورغم ذلك استخدمت فيها وسائل حقيقية عسكرية، ومادية كما أودت بحياة أناس حقيقيين: أمريكيين، وعراقيين! وهذا كله تسبب في تدمير بقايا ثقة الأمريكيين في قادتهم، وفي أنفسهم.. أيضاً«. تعودنا أن نطلق علي الولاياتالمتحدة صفة: » أقوي وأغني دولة في العالم«، لكن الكاتب الأمريكي »Don Delill« له رأي مختلف ، أكد فيه أن الثقل العالمي الحقيقي تحوّل ليتجه تدريجياً نحو آسيا. الصين علي سبيل المثال قدمت المساعدة المالية للولايات المتحدة عن طريق شراء السندات التي أصدرها البنك المركزي الأمريكي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من اقتصاد البلاد! هذه ليست النهاية وإنما بداية نهاية الإمبراطورية الأمريكية. ومن ضربة إلي أخري.. وجهها الروائي »دون ديليللو« لبلاده، في حديثه مع المجلة الفرنسية. فهو ينتقل للحديث عن جو الخطر والخوف المخيم علي أمريكا، قائلاً:» الولاياتالمتحدة هي أرض خصبة لكل الأخطار. وأخطارها الآن أكثر بكثير من أخطار الحرب الباردة. وقتها كان العدو معروفاً وواضحاً:»الاتحاد السوفيتي«، وخطره كان عالمياً لكنه مجمد. فليس سهلاً تفجير الكرة الأرضية كلها في حرب نووية! اليوم.. لا يستطيع أحد تحديد العدو الذي يتربص بالبلاد. إنهم كُثر. وبدلاً من أن يكونوا أعداء للبلاد أصبحوا في نظر المواطنين الأمريكيين أعداء علي المستوي الشخصي! فالهجمات يمكن أن تأتي من أي مكان، وتضرب كل مكان! والمواطن الأمريكي أصبح لا يأمن علي نفسه ولا علي غيره. أصبح أسيراً لخوفه، و رهينة في قبضة المجهول. فهو عرضة للإصابة داخل بيته. وأثناء مشيه في الشارع. وخلال استمتاعه بالاستماع إلي حفل موسيقي في الأوبرا«. .. وهناك الكثير من الصور الذاتية الأخري لأمريكا التي لا نعرفها، وتستحق النظر إليها، لنتعرف عليها أكثر فأكثر.