بإعلانه تعيين السيناتور هيلارى كلينتون، وزيرة للخارجية الأمريكية، الاثنين الماضى، يغلق الرئيس الأمريكى المنتخب باراك أوباما باباً من الجدل والصراع مع غريمته السابقة، لكنه يفتح أبواباً من الاحتدامات فى المرحلة القادمة، ويلقى حالة من المخاوف والشكوك حول علاقتهما المستقبلية وتأثيرها على السياسات الأمريكية الخارجية، فقد ظلت هيلارى كلينتون الشوكة المغروسة فى ظهر أوباما طوال الوقت، فالمنافسة على ترشيح الحزب الديمقراطى لمنصب الرئاسة استغرقت منهما عاماً ونصف العام، استغل فيها كلا الطرفين كل السبل الانتخابية والدعائية للهجوم على الآخر، فقد اتهمت هيلارى أوباما بأنه يفتقر إلى الخبرة فى السياسة الخارجية، وأطلقت دعايات تليفزيونية وكاريكاتورية تسخر من خبرته ومن أصوله غير الأمريكية، وواجهها أوباما بهجوم مضاد، محاولاً التشكيك فى مصداقيتها فى السياسة الخارجية وأنها لم تدر أى جزء يتعلق بالأمن القومى، كما أنها أيدت الحرب على العراق. وقد قلبت كلينتون استراتيجيتها 180 درجة مع فوز أوباما بترشيح الحزب الديمقراطى له، فقد ابتلعت هزيمتها فوراً وحاولت البحث عن ثغرة يمكن من خلالها تحقيق نصر ولو صغير، وكانت عيناها على منصب نائب الرئيس، فإذا لم تنجح فى الوصول إلى المنصب الأول فيمكن الاكتفاء فى الوقت الحالى بالمنصب الثانى، إلى أن تسنح الفرصة للوصول إلى المنصب الأول، وقد ثارت تكهنات صحفية كثيرة حول محادثات تجرى بين أوباما وهيلارى وتنبأت كثير من الصحف بأن تسفر هذه المحادثات عن إعلان أوباما اختياره هيلارى فى منصب نائب الرئيس ليكسب أصوات مناصريها فى سباقه مع مرشح الحزب الجمهورى جون ماكين ويوحد جميع أصوات الناخبين فى الحزب الديمقراطى وراءه. وقد بدأت المفاوضات والمحادثات بشأن اتفاق سياسى غير معلن بين معسكر أوباما ومعسكر كلينتون تقوم بمقتضاه كلينتون بمساندة أوباما وحشد مناصريها وراءه مقابل حصولها على منصب مهم فى إدارة أوباما حينما يفوز. وكان هدف أوباما هو تحييد هيلارى كلينتون وضمها إلى صفوفه فى حركة سياسية ذكية استفاد منها كما استفادت هيلارى، فقد كان أمامها خياران لا ثالث لهما إما أن ترفض تأييد أوباما وتستمر فى سياستها المضادة له، وهى بذلك ستخسر صورتها كمساندة لقرار الناخب الأمريكى ومناصرى الحزب الديمقراطى الذين صوتوا لأوباما، وستكون النهاية انزواءها بعيداً عن الأضواء. وكان الخيار الآخر أمامها هو أن تساير الموجة وتعيد تشكيل سياستها واتجاهات بوصلتها بما يبقيها دائماً فى دائرة الضوء، وقد قامت هيلارى بدورها وفق الاتفاق وحشدت أنصارها وراء أوباما، وأعلنت تأييدها مرشح الحزب واجتذبت زوجها بيل كلينتون ليشارك فى تأييد أوباما ومناصرته فى المؤتمرات الانتخابية. وقد ظهرت معارضات ميشيل أوباما مرة أخرى لاختيار هيلارى كلينتون فى منصب وزيرة الخارجية، بعد إعلان فوز أوباما بمنصب رئيس الولاياتالمتحدة، ومعها تخوفات فريق عمل أوباما مرة أخرى من قوة كلينتون ومحاولاتها فرض إرادتها. وحاول فريق أوباما إغراء كلينتون بمنصب سفيرة الولاياتالمتحدة فى الأممالمتحدة، إلا أن هيلارى رفضت وأصرت بقوة على منصب وزيرة الخارجية، وقد تأخر الإعلان عن اختياره لها فى منصب وزيرة الخارجية بسبب المفاوضات، التى جرت لإغرائها بمنصب آخر ومحاولة وضع عراقيل واشتراطات تتعلق بدور زوجها ونشاط المنظمة الخيرية التى يتولاها آل كلينتون وقد وضع فريق أوباما سلسلة اشتراطات أمام هيلارى وزوجها، تقبلتها هيلارى وبلعها بيل كلينتون، فقد أصبح لزاماً عليه أن يقوم بترتيبات، واتفاقات معقدة حول موقفه المالى ودور المؤسسة الخيرية التى يتولاها مع زوجته وأن يعلن اسم كل متبرع للمؤسسة ويحظر عليه تلقى أى تبرعات من دول أو مؤسسات حكومية، كما أصبح لزاما عليه أن يأخذ موافقة مسبقة من وزارة الخارجية ومن البيت الأبيض لما يقيمه من حوارات واجتماعات، وما يلقيه من خطب فى جميع أنحاء العالم، وعليه أيضاً أن يبقى تحت المجهر، فيما يتعلق بمصادر دخله وحساباته البنكية داخل وخارج الولاياتالمتحدة إضافة إلى وضعه الجديد ك«زوج السيدة وزيرة الخارجية»، والشكوك حول تدخله فى أى قرارات تصدرها الوزيرة، بما يضعه فى الصورة بالشكل البروتوكولى فقط، ويحظر عليه التدخل فى السياسات سواء بالتأييد أو الاعتراض أو التعليق فقط. اختيار هيلارى كلينتون للمنصب به مكاسب لجميع الأطراف، فأوباما سيحقق من ورائه عدة مكاسب أولها حشد جميع الاتجاهات داخل الحزب الديمقراطى وراءه، وحشد أنصار هيلارى أيضاً وراءه، والمكسب الأهم هو أن يتركها تواجه القضايا الخارجية بتعقيداتها فيما يتعلق بالصراع العربى الإسرائيلى والوضع فى العراق وأفغانستان والإرهاب، ويتفرغ هو للملف الاقتصادى وتنفيذ وعوده للناخب الأمريكى بتحسين الأوضاع الاقتصادية، وهو فى الوقت نفسه لا يتركها وحدها فعلى هيلارى أن تدير السياسة الأمريكية الخارجية بالتنسيق مع خصمين مهمين هما جو بايدن، نائب الرئيس، ورام إيمانويل، كبير موظفى البيت الأبيض. هيلارى نفسها، ستستفيد من المنصب الجديد، حيث سيمكنها من توثيق علاقاتها الخارجية مع باقى دول العالم وفى الوقت نفسه إثبات قدراتها السياسية داخلياً بما يجعلها أهلاً للترشح للرئاسة الأمريكية فى عام 2012. لكن الخبراء السياسيين يخشون من صدامات مستقبلية بين أوباما وكلينتون، فشخصية كلينتون القوية والهجومية وميلها لمواجهة التحديات سيزيد من صعوبة التعامل معها، وقد ثارت نكتة فى الشارع الأمريكى تقول إنه كان من الأفضل لأوباما أن يختار حماته وزيرة للخارجية أفضل من كلينتون، فى إشارة إلى أن الحماة بكل ما يمكن أن يقال عنها ستكون أخف وطأة من شخصية كلينتون، فالصورة عن وزير الخارجية الأمريكى أنه سيكون ممثلاً ومبعوثاً خاصاً يتحدث باسم الرئيس الأمريكى وينفذ سياساته ويتطلب هذا مستوى عالياً من التوافق بين الرئيس ووزير الخارجية والسؤال هل ستتحدث كلينتون نيابة عن أوباما، أم ستتحدث بصوتها هى؟