حين نقارن بين الحزب الوطنى والإخوان، فيبدو للوهلة الأولى أنه لا توجد مقارنة، فالحزب الوطنى يحكم البلاد منذ تأسيسه، والإخوان يعارضون الحكم منذ تأسيسهم، والأول يعتقل الثانى ويزج بأعضائه فى السجون، والثانى يصرخ ويئن وأحيانا يهدد دون أن يقدر على الفعل، والإخوان يدافعون ولو ضمنا عن الدولة الدينية حتى لو لبست ثياباً مدنية ويعتبرون المرأة والأقباط مواطنين من الدرجة الثانية، والحزب الحاكم يقول إنه مؤمن بالدولة المدنية والمواطنة، حتى لو كان هو «الراعى الرسمى» لخطاب الدعاة الجدد وكل مظاهر التدين المغشوش فى مصر. وقد أسس الحزب الوطنى خطابا يرى فيه أن مصر للمصريين «وكأن البلد محتل»، وكرس لهذه العلاقة العدائية بين المصرية والعروبة، وصور دعم غزة والقضية الفلسطينية كأنهما خصم من رصيد مصر وعلى حسابها فى مفارقة تبدو عجيبة، خاصة أن كل عقلاء النخبة المصرية والرأى العام لم يطالبوها ولو مرة واحدة بالدخول فى مغامرة عسكرية ضد إسرائيل، إنما طالبوها بدور إقليمى أو هيبة سياسية لم تحدث، لأن فاقد الشىء لا يعطيه. أما الإخوان فمثلوا الوجه الآخر لنفس هذه العملة من التفكير، حين استخدموا تقريبا تلك اللغة «التخوينية» نفسها التى استخدمها الوطنى بحق معارضى سياساته الخارجية، فقسموا العالم العربى والإسلامى إلى «فسطاطين»، الأول ضم الشرفاء والمقاومين من حماس وحزب الله إلى المجاهدين الصوماليين، والثانى أو الجهة الأخرى، فضمت نظم عميلة تضم ما يعرف بمحور الاعتدال العربى. هذا التصور عكس فهما أيديولوجيا ساذجا للواقع المعاش الأكثر تعقيدا بكثير من تلك الرؤى المبسطة، فلا مقاومو حماس ملائكة نجحوا فى تحرير فلسطين، ولا تنظيم حزب الله «الذى كان مقاوما حتى تحرير الجنوب عام 2000» يتحرك خارج الاستراتيجية الإيرانية التى تهدف بشكل مشروع وأحيانا غير مشروع إلى الدفاع عن مصالحها الوطنية لا تحرير القدس، ولا محور الاعتدال مشكلته فى «اعتداله» إنما فى انهيار أدائه واستبداد حكامه، وإلا بماذا نفسر الدور المشرف والكفء لدولة معتدلة مثل تركيا قبل وأثناء وبعد العدوان الإسرائيلى على غزة؟!. تشابه ثان بين الاثنين يتمثل فى نجاح كل من الحزب الوطنى والإخوان بعبقرية شديدة فى فقدان الغالبية العظمى من أنصارهم داخل صفوف النخبة المصرية، فلم يعد هناك تيار ليبرالى حقيقى خارج أو داخل الحزب الحاكم يؤيد أداء شلة التوريث، وبات من الصعب أن نجد إصلاحيا حقيقيا من داخل النظام أو من خارجه يتعاطف مع الحزب الوطنى فى طبعته «التوريثية» الأخيرة، خاصة بعد الأداء المسرحى والاستعلائى لقادة الحزب حين تصوروا أن هناك حياة ديمقراطية حقيقية فى البلاد تستحق هذا الهجوم على قادة المعارضة، وليس قانون طوارئ وفساداً وسوء إدارة هى التى تستلزم المواجهة. أما داخل الإخوان فقد احتل التيار المحافظ مكان شلة التوريث فى الحزب الوطنى، وسيطر على مقدرات الجماعة «وليس البلد»، وأصبحت قدرتهم على التعايش مع التيارات الإصلاحية داخل الجماعة وخارجها غير موجودة، خاصة بعد أن هاجموا بحدة أصواتاً مثل الشيخ القرضاوى ابن مدرسة الإخوان المسلمين «كتب أكثر من 100 مرجع وكتاب»، وهاجموا مفتى الجمهورية لأنه قال كلاما عاقلا فى ندوة بواشنطن حول ضرورة أن يفصل الإخوان بين الجماعة الدعوية والحزب السياسى، وطالبوه بأن «يراجع عقيدته» فى موقف بدا وكأنه شبه تكفيرى. والحقيقة أن الزيارات «المعلبة» والمعدة سلفا لنجل الرئيس لبعض محافظات الجمهورية ومعه شلة رجال الأعمال المعروفة بينت حجم العزلة الشديدة التى تفصل هؤلاء عن عموم المصريين، فهم لا يعرفونهم ولم يعيشوا معهم وعاملوهم باستعلاء، وتحدثوا عن سلبيات المجتمع المصرى دون أن ينظروا إلى سلبياتهم، وطالبوه بتضحيات لم يسألوا أنفسهم لماذا لم يدفعوها هم أولا. أما نظراؤهم فى الإخوان «بعيدا عن فروقات المظهر والخطاب» فهم تلك المجموعة المحافظة والمنغلقة التى لم تر نور الحياة العامة، وبقيت داخل دهاليز الجماعة، فلم ترشح نفسها فى انتخابات تشريعية أو نقابية أو طلابية، إنما بقيت حارسة للتنظيم لأكثر من 80 عاما حتى أوصلته إلى فشل سياسى رغم قوة تأثيره الدينى والدعوى. لقد تصور «حراس العقيدة والجماعة» من التيار المحافظ أن الأوطان تدار بالأدعية والنوايا الطيبة والشعارات الدينية، وأن العالم يخشى من دعوة الإخوان الربانية، وأن أمريكا لا تجد عدوا فى العالم يهدد مصالحها ومشاريعها أخطر من الإخوان المسلمين، ولكنهم نسوا أو تناسوا أن هؤلاء الأمريكان حين شعروا بأن من مصلحتهم دفع «إخوان العراق» إلى المشاركة فى العملية السياسية، فعلوا ذلك بكل سلاسة، وأفسحوا لهم مكانا من أجل المشاركة فى حكم العراق والتواصل معهم، دون أن يعبأوا بخطابهم الدعوى ولا بشعاراتهم الأيديولوجية، فى حين بقى حراس الجماعة يرددون كلاما لا معنى له فى الواقع العملى، تماما مثل إخوانهم من «حراس التوريث». وبقى تشابه آخر يتعلق بعدم قدرة كل طرف على إصلاح أوضاعه الداخلية وبالتالى إصلاح أحوال الوطن «إذا كان فى الحكم كما بالنسبة للحزب الوطنى»، فإذا كان من المؤكد أن الحزب الوطنى يضم آلاف الإصلاحيين وكثيراً من الكوادر التى تربت فى أحضان الدولة المصرية وترغب فى خدمة بلدها وأهلها، واختارت الحزب الوطنى لأنه الحزب الحاكم كما اختارت من قبل الاتحاد الاشتراكى العربى وحزب مصر والحزب الوطنى، وأصبحت «قوة» وبريق الحزب الوطنى نابعة من اعتماده على جهاز الدولة، فبدون مؤسسات الدولة وجهازها الأمنى والإدارى يصبح الحزب رقما هزيلا فى الحياة السياسية والحزبية، لأن قوته تنبع من هذا التداخل مع الدولة، وبالتالى فإن مطالبته بفصل نفسه عن مؤسسات الدولة ستعنى إنهاء قوته، ولكنها هى الشرط الوحيد لإصلاحه وتحوله إلى حزب حقيقى وديمقراطى. أما جماعة الإخوان فهم يعيشون على ثنائية أخرى غير تداخل الحزب مع الدولة التى يعيشها الوطنى، وتقوم على الربط بين الدعوى والسياسى، فهم بالأساس جماعة دينية ودعوية ولكنهم صاروا فاعلاً سياسياً فى المجتمع بعد أن قضى الحزب الحاكم على الحياة السياسية «لم يكن لهم مقعد واحد فى البرلمان حين كان هناك مشروع سياسى لحزب الوفد فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى»، ولكن من المستحيل أن يتحولوا إلى جماعة إصلاحية حقيقية إلا إذا فصلوا بين الدعوى والسياسى، ولكنه خيار ليس سهلا لأنه سيقضى على المصدر الرئيسى لقوتهم وهو «التجنيد عبر الدعوة»، وبالتالى لن يفعلوها، لأنه إصلاح سيضعف الجماعة رغم أنه لا بديل عنه، تماما مثل الحزب الوطنى الذى سيعنى الإصلاح بالنسبة له نهاية حكمه. إن كلا الطرفين متشابهان فى أشياء كثيرة حتى لو اختلفا فى المظهر وفى بعض الأشياء، وكلاهما لن يقدر على الإصلاح من داخله، فلابد أن يتغير النظام السياسى حتى يكون النظام الجديد قادرا على خلق حزب وطنى وديمقراطى حقيقى بعيدا عن جهاز الدولة وشلة التوريث، وأيضا قادر على دمج تيار سياسى إسلامى إصلاحى يفصل بين الدعوى والسياسى ولا يهيمن عليه حراس العقيدة والجماعة. [email protected]