فيها تعدد قدراتهم رغم فقدانهم نعمة البصر، لكن عالمهم الذى لا هم فيه سوى تحدى الظلام، دائما ما يفاجئ عالم المبصرين بكل جديد، ليذكر أهل هذا العالم المضىء أن البصر ليس كل شىء، وبأن الكفيف بإمكانه أن يعيش ويتمتع بحياته. وبالرغم من أن هذه القيمة دائما ما يؤكد عليها المكفوفون فى احتفالاتهم فإن مهرجان «العصا البيضاء» الذى أقامته جمعية «رسالة» بمناسبة اليوم العالمى للمكفوفين حمل رسالة جديدة للمبصرين مفادها أن الكفيف لم يعد بحاجة إلى العطف والاتكاء على المبصرين وأنهم بإمكانهم الاعتماد على أنفسهم. الغناء والشعر والطهى واللعب بل التصوير، كلها مهارات لم تعد جديدة على عالم المكفوفين، لكن النجاح فى الحصول على وظيفة «مرشد آثار» فى المتحف المصرى فرصة يتمناها خريجو قسم التاريخ فى كلية الآداب، وهو ما نجح فيه أحمد ناجى ليثبت لزملائه أن فرصة العمل التى قد لا يستطيع الحصول عليها الخريج المبصر نجح هو فى الحصول عليها بل استغلها لخدمة أبناء عالمه. «أحمد» يرى أن أيدى الكفيف التى تعتبر دليله للتعرف على العالم المحيط يمكنها أيضا أن تكون دليله لزيارة الماضى يقول «أحمد»: مهمتى فى المتحف أن أعرف الطلبة المكفوفين على الآثار الموجودة بالمتحف من خلال لمس القطع الأثرية وأروى لهم تاريخها. لم يكتف أحمد، الذى اختار هذه المهنة بالذات لاستثمار إعاقته البصرية فى عمل مفيد للآخرين، بتعريف الطلبة المكفوفين المعلومات التاريخية، بل ذهب لأبعد من ذلك، وقال: «بعد أن يتعرف الطلبة على القطع الأثرية بلمسها يحولون ما لمسوه إلى عمل فنى بالصلصال أو الألومنيوم أو الطيب الأسوانى». فرصة العمل التى حصل عليها «أحمد» لم تأت بسهولة، فهو يدرك تماما ندرة فرص العمل لذا حصل على دورات فى مهارات سوق العمل وهو ما أهله للتعيين فى المتحف. لم تفقد نورا عبدالمنعم الأمل فى التميز والحصول على لقب «الفنانة» حتى بعدما فقدت بصرها فى الصف الثالث الثانوى. «نورا» كانت تحب الرسم لكن فقدانها البصر جعلها تغير نشاطها الفنى وتتجه للعزف على البيانو والغناء، تقول «نورا»: «صحيح مبقتش أعرف أرسم لكن كنت مصممة يبقى لى هواية، فاتعلمت العزف والتحقت بكلية الفنون الموسيقية وأنا الآن أغنى فى دار الأوبرا». وتضيف: «صحيح مش عارفة أقرا النوتة لكن أذنى تسجل كل لحن أسمعه وتساعدنى على حفظه». بالطبع لم تغب كلمات شاعر المكفوفين صلاح عبدالله عن الاحتفالية، فهو بالنسبة لذوى «العصا البيضاء» نجم معروف وأشعاره هى التى تؤكد لهم أن الاحتفالية تخصهم، لكنه هذه المرة وجّه كلماته للمبصرين. «صحيح الحنان حلو لكن عندما يكون الحنان معوِّقاً يصبح حناناً معوَّقاً».. هكذا بدأ صلاح فى رسالتى التى وجهها للمجتمع المصرى، والتى طالبهم فيها بمساعدة الكفيف فى الاعتماد على نفسه والتخلى عن ثقافة العطف الزائد على الكفيف.