أؤمن دائماً بأنه ليس من الضرورى أن يكون الإنسان أحد أبناء الإسكندرية الجميلة لتربطه بنادى الاتحاد علاقة الحب والاحترام والامتنان.. فإذا كان الاتحاد لايزال فى الإسكندرية هو «سيد البلد» فإنه كان دائما للكرة المصرية كلها جزءاً من قلبها وبعضاً من أجمل حكاياتها.. وبهذا المنطق أخاطب اليوم الصديق العزيز محمد مصيلحى.. رئيس نادى الاتحاد.. أطالبه وأرجوه بإيقاف هذه الفرحة المغالى فيها لمجرد أن النادى الجميل نجح حتى الآن فى الحصول على عشرين نقطة، وابتعد لأول مرة منذ سنوات عن تهديد الهبوط وأوجاع الخسائر المزمنة.. لا أطلب ذلك من مصيلحى لأننى أكره أن يفرح الاتحاد وعشاقه فى كل مكان.. وإنما لأننى أرى الاتحاد أكبر من ذلك ويستحق بالفعل ما هو أجمل من ذلك.. وأظن أن مصيلحى يعيش الآن مع نادى الاتحاد لحظة بالغة الخصوصية والاستثنائية.. ولابد من استثمارها بشكل رائع وحقيقى من أجل أن يسترد الاتحاد مكانة يستحقها، ويفتش عن مستقبل هو أولى به وأحق قبل أندية أخرى كثيرة.. والأهم أن مصيلحى الآن قادر على ذلك تماماً.. وبدلاً من هذه الأفراح الزائفة وحفلات التكريم وخطب الإشادة.. بدلاً من التفكير فى الاستعانة بمدرب برازيلى للناشئين والتفتيش عن لاعبين جدد يجيئون النادى فى يناير.. أتمنى أن يقرر مصيلحى استثمار الاستقرار الحالى وما صاحبه من انتصارات وثقة ليعيد من جديد تأسيس نادى الاتحاد القديم والرائع.. ومثلما تأسس الاتحاد أصلاً بتحالف شباب سكندرى كانوا يلعبون فى أندية صغيرة مثل الحديثة والأبطال وغيرهما.. فاجتمعت كل هذه الأندية عام 1914 فى ناد واحد قرروا تسميته الاتحاد السكندرى.. ولم يكن مجرد اتحاد للكرة.. وإنما كان اتحاداً مصرياً رافضاً للاحتلال ولظلم الخواجات والأجانب.. ووقتها تجمعت الإسكندرية كلها فى هذا النادى.. استردت معه روحها الضائعة، وتعلمت معه حب كرة القدم التى أبداً لم تكن فى مصر مجرد لعبة للترفيه أو للأغنياء والمشاهير والعاطلين.. ومن الممكن جداً أن يعيد مصيلحى الآن نفس الحكاية من جديد.. فيفتح أبواب الاتحاد لكل الإسكندرية.. لكن من هم معه وكل من كانوا ضده فى الانتخابات الأخيرة وفى مقدمتهم عفت السادات.. فهذه هى لحظة المصارحة والمصالحة وصياغة الأهداف النبيلة والجميلة التى يتشارك فى تحقيقها الجميع.. ومصيلحى هو أول من يعرف أن الذى يحتفل ويرقص بالهروب من القاع هو الذى أبداً لن يطمع فى القمة ولن يبلغها ولن يستحقها.. وإذا كان محكوماً علينا فى مصر اليوم أن نتواضع فى معظم أحلامنا وطموحاتنا فلا أقل من استثناء كرة القدم من هذا التواضع.. ولا ينبغى أن يبقى مصيلحى متواضعاً هكذا.. لا ينبغى عليه أن يراهن على برلمان أو محافظ أو إعلام أو رجال أعمال.. إنما هم الناس.. أهل البلد.. الإسكندرانية الجدعان.. هم الذين سيبنون معه وقبله نادى الاتحاد الحقيقى من جديد.. وقد تحدث مصيلحى من قبل كثيراً عن الأندية الشعبية التى قد تموت أمام عجلات حديدية لأندية تملك القوة والسلطة والمال ولكنها لا تملك الناس.. وها هى جاءت اللحظة التى يتحقق فيها حلم مصيلحى القديم وتعود أندية الناس هى الأقوى والأغنى والأبقى.. ففى عام 1935.. أسست شركة الترام نادياً للكرة.. وخطفت من الاتحاد لاعبيه وكل نجومه بعد أن أغرتهم بالتعيين فى الشركة.. وتخيل الجميع أن النادى الجميل سيموت.. ولكن الشركة هى التى ماتت ولم يبق إلا الاتحاد.. والناس.. ولكننى لا أطلب من مصيلحى الآن بمجرد أن يبقى الاتحاد.. وإنما أحلم وأتمنى أن يفوز وينتصر لتفرح به ومعه الإسكندرية.. ومصر كلها. [email protected]