«إذن فلتصبح الأقصر محافظة جديدة مستقلة.. بهذه الكلمات فاجأ الرئيس حسنى مبارك المسؤولين وأهالى المدينة بقراره التاريخى. كلمات الرئيس نزلت بردا وسلاما على مواطنى الأقصر الذين استقبلوا قرار الرئيس بالزغاريد والتصفيق الحار وتوجيه الشكر للرئيس لتحقيق الحلم الذى طالما كانوا ينتظرونه». ما قرأتموه قبل سطور قليلة منقول حرفياً من صحيفة قومية تنتمى لدولة ديمقراطية انتخب رئيسها فى انتخابات المفترض أنها كانت نزيهة.. لاحظوا دولة وكمان ديمقراطية ورئيسها وليس ملكها هو من أصدر هذا القرار.. المضحك بشدة حتى «السخسخة» أن صيغة الخبر تؤكد، بكل فخر، أن القرار صدر بشكل فرمانى واجب التنفيذ وبصورة مفاجئة «إذن فلتصبح الأقصر ولاية مستقلة» هكذا ورد نصاً بالخبر وبجرأة ما كانت ستخرج من حكام العصر المملوكى عندما كان الولاة وقتها يصدرون الفرمانات فى رسائل سرية لضم ولاية إلى أخرى أو فصل إقليم عن آخر خوفاً من اعتراض الشعب. المضحك أيضا وأتمنى أن تتحمل قلوبكم هذه الكوميديا السوداء بأن الأمر لم يكن مفاجئاً فقط للأهالى الذين ظلوا يحلمون فى صمت أن يصدر هذا القرار طوال 40 عاماً حسب نواب الأقصر، لكنه كان مفأجاة أيضا للمسؤولين.. المسؤولين التنفيذين والشعبيين! الذين كان من المفترض فيهم أن يقوموا بالتمحيص والتفحيص لجميع جوانب تحويل الأقصر من مدينة لمحافظة، قبل أن يرفعوا الأمر لحاكم البلاد.. وكان من المفترض– إذا وافق عليه أو حتى إذا لم يوافق- أن يرسله بدوره إلى أعضاء مجلس الشعب ومجلس الوزراء لكى يناقشوه ويا حبذا لو تم عرضه على الرأى العام. أهالى الأقصر المغلوبون على أمرهم.. استقبلوا الخبر بالزغاريد وأنا أعرف جيدا مدى قوة الزغرودة الصعيدية وسبب سعادتهم حسبما ذكرته الصحيفة القومية أن هذا القرار كانوا يحلمون به منذ سنوات طويلة وأخيرا تحقق حلمهم.. بالذمة «مش حاجة تكسف».. وتستدعى المحاسبة والتحقيق فى الأسباب التى جعلت هذا القرار يتأخر كل هذا الوقت «40 سنة». مشهد الأقصر الساخر ذكرنى بمشهد الاستفتاء– الأسود- الذى تم قبل فترة قصيرة فى سويسرا حول بناء المآذن، المشهد السويسرى رغم اعتراضنا عليه إلا أنه تم فى جو ديمقراطى عبر اقتراع حر عبر فيه كل مواطن عن رأيه رغم أن الموضوع ليس بالأهمية القصوى التى تستدعى استفتاء عاما.. ولكنهم هناك حيث «أوروبا والدول المتقدمة» يعطون للشعب الكلمة الأولى والأخيرة.. هناك يعرفون أن الشعب هو الذى سيدفع الثمن إن كان خيرا فخير وإن كان شراً فشر.. إذا فليدعونهم يقولون كلمتهم طالما هم الذين سيدفعون الثمن. طريقة التعامل فى المشهدين مختلفة وليست بحاجة لشرح.. فهناك يقدسون المواطن ويعطونه حقه وإن كان على غير حق.. والسياسيون هناك يعرفون أنهم وجدوا لخدمة رغبات واحتياجات الرأى العام.. ويقرون بأدب أنهم «خدام» الشعب ينتظرون ما يقولونه، حتى لو كانوا لا يرضون عنه طالما كان بالإجماع.. أما هنا فالسياسيون ينظرون للناس على أساس أنهم «خدم» ينتظرون منهم المنح والهبات.. والفرمانات. قد يعتقد البعض أنى غاضب بسبب قرار تحويل الأقصر لمحافظة- على فكرة القرار أسعدنى وإن لم أزغرد- ولكن ما أرفضه هو الطريقة التى خرج بها القرار والتى ترسخ فكرة أننا نعيش فى دولة ملكية وليست دولة جمهورية ذات مؤسسات.. وما حدث مع قرار تقسيم القاهرة إلى ثلاث محافظات بصورة مفاجئة ليس ببعيد. تخيلوا معى أن الناس فى مصر أصبح لهم دور حقيقى.. فأصبحوا يشاركون فى صنع مصيرهم وليسوا مجرد جماهير صامتة تشعر بأنها فاقدة الأهلية ليست محل ثقة.. فتكتفى بدور المتفرج وكأنها تشاهد ما يحدث فى دولة «شومبنجوا» وليس فى مصر.