لم يكن من مصلحة مصر ولا الجزائر أن تتصاعد أزمة ما حدث بعد مباراة الخرطوم بين فريقى مصر والجزائر فى كرة القدم، وحتى لو كانت المباراة بين مصر وبلجيكا أو بين الجزائر ونيوزيلندا، ليس من المقبول ولا المعقول أن تتحول إلى أزمة بين الدولتين وبين الشعبين، ومن المثير للسخرية أن اللعب بين أى فريقين قد يكون ب«القرعة»، أى بالصدفة، فهل تقع أزمة بهذا الحجم، وترتفع فيها أصوات تدعو للكراهية ب«القرعة»! هل هناك كراهية بالصدفة إلا عندما يغيب العقل تماماً؟ ومن المعروف أن الجزائر، ومنذ استقلالها عن فرنسا عام 1962 تعيش صراعاً وصل إلى حد الحرب الأهلية بين تيار يسعى إلى الإبقاء على الهوية الفرنسية، وآخر يريد الاستقلال عن هذه الهوية، ولم تكن مأساة الجزائر فى وصول الصراع بين التيارين إلى الحرب الأهلية ومئات الألوف من القتلى، ولكن على يد الجزائريين هذه المرة، وليس بواسطة قوات الاحتلال الفرنسى، وإنما أن التيار الباحث عن هوية الجزائر ربط هذه الهوية بالدعوة إلى دولة دينية إسلامية، وأصبح تيار السعى إلى الإبقاء على الهوية الفرنسية هو المناهض للدولة الدينية التى تعود بالجزائر إلى عصور مثل العصور الوسطى الأوروبية، وتعزلها عن العالم الحديث الذى بدأ مع عصر النهضة الأوروبية. وبين هذا التيار وذاك يعيش التيار العروبى أزمة كبيرة فى إطار هذا الوضع المركب ضد التيارين معاً، وجاءت أزمة المباراة المشؤومة لتضاعف من أزمة ذلك التيار، الذى يمثل مصلحة الجزائر ومصلحة مصر فى آن واحد، وعلى صعيد السينما يعتبر المخرج الجزائرى الكبير أحمد راشدى أكبر ممثل للتيار العروبى، ولذلك لم يكن من الغريب أن يكرمه مهرجان القاهرة فى حفل افتتاحه هذا العام بإهداء الهرم الذهبى التذكارى إليه، ولم يكن من الغريب أن يرفض إعادة الهرم الذهبى إلى المهرجان رغم إعلان بعض السينمائيين المصريين إعادة الجوائز التى فازوا بها فى مهرجان وهران للفيلم العربى فى الجزائر. وأقول «بعض»، فهناك من استنكر موقف هذا البعض، وأعلن فخره بالجائزة التى فاز بها فى وهران مثل المخرج الكبير مجدى أحمد على. وكان من بين ردود الفعل المبالغ فيها إيقاف الشركة العربية التى تديرها إسعاد يونس العمل فى فيلم مصرى يخرجه الجزائرى أحمد صالح، ولثقتى فى ثقافة ووعى المنتجة، وهى أيضاً ممثلة وكاتبة ومترجمة، أناشدها الاعتذار إلى أحمد صالح ودعوته لاستكمال الفيلم. [email protected]